Monday, March 31, 2014

مقارنة بين عبد الحليم حافظ و محمد مرسي.

30 مارس من كل عام هو ذكرى وفاة المطرب المصري الكبير عبد الحليم حافظ...و في كل عام يطوف بنا المحدثون حول قصة حياته من الميلاد و حتى الوفاة...لفت نظري هذا العام حقيقة أن عبد الحليم هو ابن محافظة الشرقية المصرية و أنه يشترك في هذا مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي و سألت نفسي: ترى أي الرجلين كان الأفضل لنفسه و لبلده الذي هو مسقط رأسه و لوطنه و ربما للعالم الكبير...؟!
عبد الحليم المطرب أو المغني الذي استمتع الناس بأغانيه و لا يزالون يستمتعون بها إلى اليوم رغم رحيله عن الدنيا عام 1977 م أم محمد مرسي الأستاذ الجامعي و المهندس و السياسي الذي خرج من السجن إلى رئاسة الجمهورية بعد ثورة شعبية...؟!
أغاني عبد الحليم كانت التعبير الصادق عن عواطف مر و سيمر بها البشر في مراحل مختلفة من حياتهم الشخصية و العامة...عواطف المراهقة و الارتباط الأول و لذة القرب من الحبيب و ألم البعد عنه و غيرها و عواطف الارتباط بالزعامة الوطنية و الانتماء للأمة و الانكسار بالهزيمة و التشوق للنصر ثم الاستمتاع به و غيرها...
حليم كان يعبر عن وجدان الأمة و يشكله في نفس الوقت...كان متداخلاً مع عقل و قلب بل و سلوك الشعب و ممتزجاً به حتى صار جزءاً منه 
لدرجة أن بعض الفتيات انتحرن بعد إذاعة خبر وفاته و خرج الملايين يودعونه إلى مثواه الأخير في مشهد لم يتكرر إلا مع كبار القادة و الزعماء...!
إلى هذه الدرجة كان حليم حبيب هذه الفتاة و ابن هذه السيدة و مستودع أسرار هذا الفتى و جذوة الوطنية لذلك الجيل من المناضلين حتى أنه لما مات خرجوا كلهم ليعزي الواحد فيهم نفسه قبل أن يعزي الآخر في حليم...؟!!
قل أن تجد عربي لم يسمع غناء عبد الحليم حافظ و لم يعجب به بل إن حليم كان صديقاً شخصياً للكثير من الحكام العرب أنفسهم...و في المهجر كان حليم هو الجسر الذي يعبر فوقه الوطن إلى العرب أو يعبرون هم فوقه إلى الوطن...و كانت حفلته في قاعة ألبرت هول في لندن التي حضرها ما يقرب من عشرة آلاف مشاهد عربي أكبر دليل على ذلك...
حليم ولد فقيراً لكنه أصبح فيما بعد مليونيراً في زمان كانت الألف من الجنيهات المصرية تشتري سيارة جديدة تماماً (زيرو كما يقولون)...
و إن دل هذا على شيء فهو يدل على أنه كان ناجحاً أيضاً من الناحية الاقتصادية و كان يعرف كيف يدير موهبته و يترجم نجاحه فيها إلى مادة ملموسة ...
حليم ولد يتيماً و عاش مريضاً و أعزباً و مات بسببب مرضه في سن مبكر أقرب لمنتصف العمر (47 عام)...و رغم هذا نجح و حقق الشهرة و المال و طاف بالدنيا و التقى الزعماء و الأمراء و الملوك و صادق بعضهم فضلاً عن كونه ارتقى بنفسه إلى مصاف العظماء في مهنته و فنه فشارك محمد عبد الوهاب في شركة إنتاج فني (صوت الفن) و كان هذا ترجمة لواقع يقول أنه يشاركه في اعتلاء قمة الفن في العالم العربي...
عبد الحليم الذي اختلف حوله النقاد أحياناً و وصفه بعضهم بأن إمكانيات صوته ضعيفة أو أقل من فلان أو علان....و قال آخرون أن عبد الحليم يستخدم نفوذه السياسي (كونه صديق للقادة و المسئولين) لقتل المواهب الشابة و حرمانها من الفرص...عبد الحليم الذي اشتعلت الخلافات بينه و بين فريد الأطرش أحد أكبر المطربين و الملحنين العرب في إحدى المرات لدرجة أن مصالحتهما كانت خبر الموسم الفني و أعدت لها البرامج التليفزيونية و غيرها و كأنها اتفاقية سلام بين دولتين...!
و مع هذا سواء في حياته أوبعد رحيله لم نر كراهية حقيقية له أو كراهية حقيقية بين محبيه و منتقديه تصل إلى حد السلوك العدواني أبداً...
حليم موهبة فنية صحيح لكنه فوق هذا كان موهبة عقلية بشرية استطاع أن يشق طريق إلى قمة النجاح مبتدأ من قاع الألم و الحرمان و مخترقاً جبال التحديات و متخطياً أصعب العقبات...
أما محمد مرسي فهو الفلاح الفقير الذي أسعده الحظ بثورة يوليو 1952 م فكان أبوه ممن امتلك الأرض الزراعية بفضل قوانين الإصلاح الزراعي و كان ممن تمتعوا بمجانية التعليم و شقوا طريقاً ممهداً ميسراً نحو التعليم الجامعي وما بعد الجامعي (مقارنة بمن قبله بل و بمن بعده من أجيال إلى يومنا هذا) حتى صار أستاذاً جامعياً...و خلال هذه الرحلة التعليمية لم ير العالم للأستاذ الجامعي كرامات علمية و لا مواهب عقلية و لا نجاحات تجارية....مجرد موظف يترقى بالدور و استيفاء المدد و الأوراق الروتينية...!!!
و رغم سفره في بعثة لأرقى الدول تقدماً علمياً (أمريكاً) إلا أننا لم نر لهذا أثراً حميداً عليه و لو من باب إتقان اللغة الأجنبية أو اكتساب منهجية التفكير و التعبير عن الرأي و القدرة على توصيل المعلومة و التواصل مع جمهور متفاوت القدرات في الفهم و الاستيعاب (يفترض أن هذه مهارات أساسية للأستاذ الجامعي بل للمدرس في المراحل التعليمية قبل الجامعية...!)
و حتى توجهه السياسي المعلوم بالضرورة لم يفرز لنا موهبة في صورة خطبة تكافيء أغنية واحدة من أغاني حليم الوطنية (بل ربما أفرز لنا مقطعاً كوميدياً من مسرحية هزلية هنا أو هناك)...!
رأينا عضو في تنظيم سياسي سري يترقى فيه بنفس طريقة ترقيه في الحياة العامة التقليدية (أيضاً بالدور و استيفاء الروتين) ...لكن الموهبة التي تخترق و تلمع و يكسر شعاعها المنبثق منها ظلمة النمطية من حولها كانت غير موجودة...
ترشح للبرلمان و نجح صحيح لكن ما أسهل أن تكون عضواً في البرلمان تنتقد و تطالب و تصف الداء أو بعضه ثم تلقي بالتبعات و المسئوليات على الجكم و تطالب غيرك بالحل و العلاج العاجل و الآجل (دون أن تقدمه أنت) ....و لذا لما شاءت الأقدار أن يجلس البرلماني محمد مرسي في مقعد رأس السلطة التنفيذية أو كرسي رئاسة الجمهورية رأينا عجباً و طربنا ضجكاً...
ما كان حليم أن يقبل لو أمروه برئاسة الدولة أو حتى بالوزارة و جل ما كان سيفعله لو (اضطر) أن يقبل أن يحيل كل أمر لمختص يفهم فيه و يقدم هو نموذجاً في القيادة الذكية (عن بعد) من خلال سلطة العاطفة يعني (بأمر الحب)...!
أما مرسي فقبل و طرب و انتشى و ثمل بالسلطة حتى أقسم يمين تولي الرئاسة عدة مرات في عدة أماكن و ميادين...و حتى كشف عن صدره مجرداً من الحماية بقميص واق من الرصاص و كأنه يستظهر شجاعة لم يعهدها فيه الآخرون و إنما بثت فيه من واقع الاتصال بالكرسي...!
إذا كان حليم قصة الموهبة التي صنعت النجاح فمرسي قصة الصدفة التي أوصلت لنجاح كشف عن افتقاد الموهبة...!
ربما تتفق أوتختلف معي من زاوية أو أخرى حول الرجلين...ربما تقول أن الفن (قلة ادب) أو (حرام) أو لا تصح مقارنته ب(العلم) لأنه أدنى منه...ربما تقول أن مرسي حاصل على شهادات تملأ حوائط مكتبه و عبد الحليم حاصل على مجرد دبلوم موسيقي...ربما تقول أن مرسي درس الهندسة في الجامعة و حليم درس الموسيقى في مدرسة ابتدائية...ربما تقول أن مرسي مناضل سجن من أجل الحرية و حليم منافق وصل بسبب التبعية...ربما تقول أن مرسي ابن ناس (أغنياء) و هذا لا يعيبه بينما حليم ابن فقراء و لذا كان الكفاح عنده اضطرار لا اختيار...
قل ما شئت لكن في النهاية أؤكد لك أنه بعد عشر سنوات من الآن (إن شاء الله) سيظل الناس يذكرون حليم بالحب و الشجن و يذكرون مرسي بالضحك و السخرية...و هذا وحده فارق يجب ما عداه...!
و الله أعلم.......

1 comments:

الدكتور شريف عبد القادر said...

تعليقات كثيرة وصلتني حول المقارنة بين حليم و مرسي...بعضها لا يجد أي صلة بينهما و بعضها يرى أن المقارنة بين نقيضين كالأبيض و الأسود...وأقدر رأي الجميع...ما أردته أنا من هذه المقارنة هو تسليط الضوء على اثنين من أبناء نفس الأرض و نفس البيئة تقريباً...أحدهما موهوب و ذكي و الآخر نمطي و متواضع الذكاء (و هذه مقارنة)...أحدهما بدأ من الضفر و وصل للقمة و استمر فوقها حتى بعد موته و الآخر بدأ مرتاحاً و وصل للقمة ثم هوى من عل (و هذه مقارنة)...أحدهما أحبه الكثيرون و اختلف معه الكثيرون لكن أحداً لم يقتل أحد بسبه و الآخر أحبه كثيرون و اختلف معه كثيرون و قتل المئات و ربما الآلاف بسببه (و هذه مقارنة)...باختصار حليم و مرسي كانا من أصل واحد لكن حليم كان أفضل و أبقى أثراً من مرسي...و الله أعلم...