Wednesday, May 7, 2014

قنديل أم هاشم لا زال إلى اليوم يا سادة...!

الفيلم الذي أنتج عام 1968 م و كتب الراحل (يحيى حقي) قصته قبل هذا بكثير...هو قصة المجتمع المصري اليوم و كل يوم من ساعتها و إلى الآن وربما ستستمر لفترات قادمة...!
قصة روافد الأزمة و تعقيدات الحل...الصورة المعقدة التي تنفر منها العين لكنها لا تستطيع ألا تراها...
القصة قصة عيون كثيرة لا عين واحدة فقط...عيون مريضة تنقل الصورة لعقول أشد مرضاً فتدلها على العمى...!
و طبيب غض غرير يتصور أن الداء في العين فقط فيداويها كما علمته أوروبا بالقطرة و المبضع و يغفل عن أن علاجه لا يصل للمخ السقيم ولا يداويه...!
قصة الفقر الذي يحاول أهله التبرأ منه بالتعليم و يتصورون أن أعلى درجات التعليم سترفعهم لأعلى درجات المجتمع فيرسلون ابنائهم للتعليم في أوروبا...و هناك تحدث الصدمة الحضارية...!
العلم المادي سهل تعلمه لأنه متوافق مع نصف المخ المنطقي الذي يفهم لغة الأرقام فقط....واحد زائد واحد يساوي اثنين...لكن من قال أن الإنسان يعيش بنصف مخ فقط...؟!
أين نصف الخيال...الوجدان...الثقافة...؟!
في أوروبا كانت الحياة مختلفة ليست أسهل و لا أصعب..بل مختلفة ...ليست مختلفة في المنطق و الطب بل في الثقافة و السلوك...و من هنا كانت الصدمة في أوروبا...
إسماعيل (بطل القصة) الذي درس طب العيون بألمانيا و عاد محملاً بذخيرة علمية سرعان ما أطلقها كالمدفع الآلي على معارفه و جيرانه و لأن الأقربون أولى فقد بدأ بابنة عمه و مشروع زواجه التقليدي...! بركة زيت قنديل أم هاشم كادت أن تذهب ببصر البنت المسكينة المستسلمة لقدرها بلا داع...مشكلتها حلها (المنطقي) أن توقف استعمال هذا الزيت الضار و أن تستعمل العلاج الحديث...
و هنا تجددت الصدمة الحضارية عند البطل...إن أهله يعتبرون هذا الزيت من الدين و الدين أهم من الطب و أنه حتى لو كسر القنديل بالمسجد فلن يكسر أقفال عقولهم المغلقة على هذه العقائد الباطلة بل ستكون النتيجة هي تكسير عظامه هو لأنه اعتدى على المقدسات...!
يا ناس أي مقدسات هذه..؟!
أمن الإسلام التمسح بقبر ميت (أياً كان)...؟! أمن الإسلام طلب المساعدة من ميت (أياً كان)...؟! أمن الإسلام زواج الأربعة و عدم الوفاء بنفقتهن كما يفعل هذا الدرويش بالمسجد؟! أمن الإسلام طلب المساعدة على التوبة من الدعارة من قبر ميت (أياً كان) كما تفعل هذه الفتاة الساقطة..؟! أ زيت القنديل الذي يضيء المسجد بالليل له أي علاقة بصاحبة القبر الشريف السيدة زينب..؟!!
ثم ما الذي يفعله هؤلاء (المقاطيع) حول قبر الحسين و السيدة زينب رضي الله عنهما...؟! هذا مجذوب مخبول و ذاك يتاجر في الحلي و الطعام و ال.... و ال.....و ال.....
أي تجارة هذه أ تجارة بالدين أم بالدنيا...؟! و أي بركة هذه التي حلت في قنديل دون حتى أن تلمسه صاحبة القبر الذي ينسبون إليه البركة...؟!
مقاطيع الست و مجاذيب الحسين و تجار يتكسبون من بيع البركة لا البضاعة حتى وصل بهم الأمر لعلاج العيون بالزيت الملوث...!!!
إسماعيل الذي لم يفهم أوروبا و اصطدم بفتاتها الحرة الطليقة لم يفهم أيضاً أهله و حيه الذي نشأ فيه...
و النتيجة أنه عاد من أوروبا ليصطدم بأهل بلده فلا يجد أمامه حلإ إلا أن يهيم على وجهه بعيداً عنهم و متأملاً الدنيا لعله يفهمها ويفهمهم يفهم نفسه أيضاً...
و التقى بأصدقاءه و استمع منهم و أدرك كما قال له أحدهم (أنه أمامه الكثير ليتعلمه غير العلم)...!
أدرك مثلاً أن المرضى يقدرون أكثر الطبيب الذي يتركهم في انتظاره مدة أطول (كما علمه هذا الزميل) و أدرك أن خطبة زميله من بنت الباشا التي رآها معه هي سبب سعده و بناءه للمستشفى الذي يجهزه بفلوسها...و أدرك أيضاً أن من كان في مثل ظروفه هو و نشأته سيكون عمله لكسب رزقه  إما على طريقة زميله هذا (يتزوج المال ويعرف من أين تؤكل الكتف) أو في حي شعبي كالحي الذي نشأ هو فيه ثم اشمئز منه و هجره و أنه لو فضل الاختيار الأخير فسيكون عليه أن يتعاون مع بشر من مثل (الحلاق) الذي هو طبيب الحي التقليدي ليجذب الزبائن إليه و يحدثهم عن نجاحاته في أوروبا...! و سيكون عليه أيضاً ألا يتجاوز علاج العيون إلى علاج العقول و إلا اصطدم بما لا يحمد الاصطدام به كما حدث يوم ان كسر القنديل...!

فهم إسماعيل المسألة بعد طول صراع و علم أن عليه أن يقدم للناس ما يستطيعون تقبله و أن يحصل لنفسه على ما يلزمه من غير صدام معهم أو مواجهتهم بحقائق مرة قد تدفعهم للعناد (و العمى الهستيري كما حدث من ابنة عمه مثلاً) دفاعاً عن أنفسهم أو تدفعه هو في طريق غير الذي يقتنع به أو تعلمه...
و بعد الفهم كان النجاح فشفيت ابنة عمه و نجحت عيادته في الحي الشعبي بجوار (أم هاشم)...!

0 comments: