Sunday, May 11, 2014

شهر رمضان الكريم يقدم الذخيرة للمعركة الحالية

  اقتربت الساعة و بدا القمر من خلف غيوم الأحداث المتتالية جنيناً رقيقاً في رحم الأيام توشك أن تضعه على صفحة السماء الواسعة ليشع في ليلها نوره الفضي الرقيق هلالاً ناشئاً مبشراً بخير طال انتظاره...اشتاق الواحد منا لرؤيته شوقه لرؤية وجه وليده الذي حلم بيوم ميلاده قرابة العام ...و ها هي تباشيره تحوم كالفراشات حول الزهر ألوان جميلة و روائح أجمل لأيام هي عند الله و المسلمين أيام فضيلة...
ألفنا أن نتضور شوقاً إليك يا رمضان و ألفنا أن نفرح بلقائك كل عام كأنه أول لقاء و ألفنا وداعك بالدموع و الرجاء لعلك تحمد لنا ذكراً عند ذي العرش سبحانه ...لكننا ألفنا أيضاً ولا حول و لا قوة إلا بالله الغفلة عما بين شوق اللقاء و دموع الوداع...غفلنا عن حسن الاستقبال و أصول الضيافة لرسول الملك العزيز جل جلاله...
بمجرد دخولك علينا نتحول عنك...!
بمجرد وصولك بيوتنا ننساك...!
ألا تعجب من شخص ذهب في انتظار عزيز غائب بأحد الموانئ أو المطارات مثلاً وبمجرد أن التقاه تركه وعاد من حيث كان؟! هل هذا سلوك معتبر من شخص سوي...؟! لأسف نحن كلنا كذلك...
ننتظر الضيف ثم نتجاهله...نحلم باللقاء ثم نغيب عنه...نشتهي الصحبة ثم نتنكر للصاحب...!
أما آن لنا أن ننتبه من غفلة و نرد على أعقابنا إلى صحيح اللقاء بالضيف الجليل...؟!
أما آن لنا أن نتفرغ له لا ننشغل عنه...؟!
أما آن لنا أن ننظر إليه لا إلى التلفاز؟
أما آن لنا أن نسمع منه لا من المذياع؟
أما آن لنا أن نفكر فيما يحمله لنا لا فيما نأكله فيه؟
إنه في هذا العام جاء محملاً بما لا نحتمل الغفلة عنه و لا اللهو في حضوره بين أيدينا...
جاء لنا بذخيرة المعركة و سلاح المواجهة...جاء لنا بالعدة و العتاد ونحن في قلب المعركة...
جاء لنا مدداً ونحن محاصرون...سنداً و نحن مائلون...عوناً و نحن مستضعفون...رجاءاً و نحن خائفون...أملاً و نحن يائسون...
فهل نحن متأهبون لأخذ العطية و تقبل الهدية و حمل السلاح و استعمال الذخيرة أم أننا لليأس أقرب و للهزيمة أجهز...؟!
رمضان هذا العام جاءنا على موعد مع الحياة و فرصة للنجاة و حبل متصل بالله فلا نامت أعين الغافلين عنه أو المتشاغلين بسواه...
جاءنا جليسنا الصالح و في جعبته سهاماً نرمي بها زماناً لم يبق في جعبته شراً إلا رمانا به ...جاءنا رمضان ومعه نوراً يشق عباب ظلام أعمى منا الأبصار و البصائر أو كاد...
شكونا الجوع و العطش...فهل غطت بنوك الطعام أرصدتنا المكشوفة أو ملأت بطوننا الخاوية...؟! و هل صحت عزائمنا و قواتنا في كسر شوكة من يقطعون عنا شريان النيل..؟!
شكونا الظلام و انقطاع الكهرباء و نقص الوقود...فهل نفعنا الغاز أو النفط أو الدولارات...؟!
حاصرنا العدو و أصبحنا لا نفتح نافذة إلا و أطل منها بوجهه ولا نهدأ سويعات إلا و طرق بابنا ليقض مضاجعنا...فهل كسرت حيلتنا أو قوتنا هذا الحصار...؟!
فتحنا أبواب المسألة كلها و تدفق إلينا الفقر منها كلها فما عاد الواحد منا يرضيه الكثير و لا القليل...فهل أفلحت الكلمات و الوعود أو الهبات و المساعدات أو حتى الديون و القروض في سد هذه الأبواب...؟!
رمضان جاءنا بالنجدة و هو أهل لها...بالكرم وهو أجود الشهور...بالقوة و هو أعز الأيام...
لعل الملك سبحانه اطلع على حالنا و اتسعت لنا رحمته فسبقت إلينا غضبه و جاءت نفحاتها مع رمضان...
لعلل رمضان يناديك يا من لا تتوقف عن الطلب: علاجك ليس أن تجاب إلى طلباتك...علاجك أن تعطي أنت لغيرك....
يا من تشكو الجوع و العطش صم نهارك و لك به أجر....
يا من تشكو الفقر أليس حولك من هو أفقر منك...انظر و ابحث و اعرف فهو من ستتصدق أنت عليه بصدقة الفطر بعد أن تغطي قوت يومك...نعم أنت ستتصدق على الفقراء ...أنت يا من تشكو الفقر ستعطي الفقراء ستتعلم ألا تشكو بل أن تعطي...
ستتعلم أن هناك من هو أسوأ حالاً منك و أحق بالسؤال منك و أحوج للعطاء منك لكنه ربما لا يشكو تعففاً أو لأن صوته أخجل منك عند الناس و أعلى عند الله...
ابدأ بنفسك و ابحث انت عمن هو أقل منك و سيقيض لكما ربكما معاً من يبحث عنكما...
يا من يشكو الظلام و انقطاع الكهرباء ألست أنت نفسك الذي يشكو من دوي الأجهزة الكهربائية حولك ليل نهار...؟! ألست أنت الذي يشكو من إعلام لا ينقل لك إلا سيء الأخبار و الأحداث...؟! و من ارتفاع أسعار كل شيء؟
 جاءك الحل...الذي يخرس أصواتاً أصمت أذنيك عن سكون الليل و دعاء الطير و يعمي عينيك عن تلألأ النجوم ورقصها و زهو القمر بنفسه بينها....جاءك من يحمل إليك فرصة العبادة في سكون لا يشقه إلا أنات الخاشعين و آهات التائبين و دموع المستغفرين تغسل ذنوبهم في قيام بين يدي رب العالمين...
جاءك الذي يخلصك من قيد إعلام الهم و الغم و الحزن و من سجن المسلسل و الفيلم السخيف الذي ما عدت تجد له طعماً و ما عدت أيضاً تعرف الفكاك من إدمانه...!
جاءك الذي يعلمك أن في الحياة زمان اسمه نهار النور فيه بالمجان لكل البشر و يستوي فيه الغني و الفقير فيه تشرق الشمس و يطفأ كل ما عداها في كل بيت مهما كان...! في هذا النهار يا ابن آدم اسعى عملاً و علماً و اطلب حظك من الدنيا مبتغياً وجه ربك...ثم يأتي زمان آخر اسمه اليل...فيه تسكن و ترتاح...نمه إن شئت أو قمه إن كنت من أهل الهمة و أصحاب الشرف الرفيع...قمه بين يدي الملك تلتمس منه فوق ما أعطاه غيرك...و تتأمل فيه بديع صنعه و جلال قدره...
جاء الذي يعلمك أن الماء نعمة و أن الماء البارد في الحر نعمة فوق النعمة...فهل شكرت المنعم أم تناسيته...هل قدرت النعمة أم تجاوزتها جاهلاً متجاهلاً...؟!
جاء الذي يعلمك أن تخزين الطعام في المبردات أمر قد زاد عن حكمة التخطيط و فسحة التدبير...بدل أن تشكو أثر انقطاع الكهرباء على خزينك تعلم ألا تدخر أكثر مما ينبغي وألا تؤمن لنفسك أعواماً لا تدري أتعيشها أم لا بينما تساهم في حرمان غيرك من يومه الحالي...!
و أنت يا سيادة المسئول و صاحب القرار و السلطة يا من يعلو صوته بقصة المؤامرة و كيد الأعداء  و مكابدة الأهوال للذود عن الحياض...و الله قد أسمعت إذ قلت لكن لا حيلة لمن تقول له هذا كله...فالناس قد وكلوك بالأمر إن قدرت عليه فقد أديت الأمانة و إن لم تقدر عليه فاتركه لغيرك أما عامة الناس فلا حيلة لهم فيما تقصه عليهم و لا تنفعهم قصتك أو تزيدهم من شيء إلا الهم و الشقاء...!
و قد جاءك رمضان أنت أيضاً حاملاً إليك نقلة نوعية و سلاحاً استرتيجياً و تفوقاً ميدانياً...جاءك بدعم من قوة عظمى لا تصل إليها البشرية...جاءك بمن يستطيع حسم أكبر المواجهات بحرفين من الكلام بالكاف و النون...جاءك بحليف عزيز لا يغلب قوي لا يقدر عليه أحد جبار يصلح ما شاء مما شاء كيفما شاء...جاءك رمضان بالصبر و الرضا..أرأيت إن أخذت منه و أعطيتها لشعبك ألن تكون أقضى لحاجة شعبك مما لو أخذت الدرهم و الدينار و فرقتها بين أفراده...؟!
جاءك رمضان بالقراءة ...قراءة القرآن صحيح فوق كل قراءة منزلة و أجراً لكن من يتعلم ليقرأ القرآن هو أيضاً من سيقرأ كتب العلم في كل مجال ومن لم يتعلم القراءة و يكتفي بالسماع و الإنصات هو أيضاً من سيستمع و ينصت للعلم في كل مجال...و ها هي كتب العلم تتحول إلى كلام مسجل منطوق يتلى على السامعين كما يتلى عليهم القرآن...فهل بعد هذا من مفتاح للعلم تريده لترفع به شأن شعبك و تدله على الخير...؟!
جاءك رمضان لتكون كلمة (ما فيش و ما عنديش) التي تقلها لشعبك أقل وطئة ذلك أنها ستقع على شعب ترفع عن السؤال طاعة لربه و بحث عن المحتاج ليعطيه هو أيضاً طاعة لربه...
جاءك رمضان لتحارب الفساد بشعب ترفع عن الحلال بالطاعة فعز عليه أن يقع في الحرام بالمعصية...
جاءك رمضان بأجساد نحتها الجوع فأزال منها الشحم و عقول طهرها الإيمان من الهم و أرواح تاقت للقاء ربها أو ليست هذه مواصفات الجند المنتصر...؟! هل تجد برنامجاً للإعداد الحربي أفضل من برنامج رمضان...؟!
إن رمضان هذا العام غنيمة كبرى لا يحل لحاكم أو محكوم أن يدركها و لا يغنمها...
اللهم بلغنا رمضان و بلغنا فيه رضاك الجنة و أكتب لنا فيه العتق من النار 
و الحمد لله رب العالمين. 

0 comments: