حديث عن (التحلل الفني) الذي حدث أيام مبارك...
كانت ثقافتنا عن (الأغنية) تحديداً أنها تؤدى في حفل يقام على مسرح...يقف فوقه مطرب و خلف المطرب فرقة موسيقية...نسمع منهم صوت و كلمة و لحن...
تسجل الأغنية لتسمع لاحقاً و مراراً و تكراراً على أسطوانة ثم شريط كاسيت ثم وسائط إلكترونية حديثة...و ربما كانت الأغنية جزءاً من فيلم سينمائي أو حتى مسلسل تليفزيوني...
كان للحفلات مناسبات...مثلاً (عيد الربيع)...و (عيد الثورة)...
كنا نسمع الأغنية و نترك لها أن تتجول في وجداننا لتبحث عما تشاء من ذكريات و تستثير ما تريد من خيالات...
كان الحضور أحياناً يسرحون كالمتيم بمعشوقه و أحياناً يمصمصون الشفاه كالمتحسر على حال و أحياناً يتأوهون كمن مس الطبيب الحاذق موضع الداء عنده فشعر أن هناك من يفهمه و ربما يزيل همه و أحياناً يصرخون في حس واحد (الله) كمن فتح أمامه فجأة باب من أبواب النعيم الذي لم تره عين قط...!
كنا نسمع و نعقل...
و أحياناً كانت الأغنية بيان سياسي و خطاب حماسي و محاضرة في تحفيز الذات و مكافأة نجاح...
فكنا نسمع و نعمل...
و بدأ التحلل في عهد مبارك...
توقفت الحفلات بحجة التمويل...
حل مشكلة التمويل من كان معهم المال...و للأسف كان مع تجار جهلاء...بسهولة امتلكوا وسائط نقل الفن فتحكموا في الفن نفسه...!
ظهرت (موجة الكاسيت) و أغرقت الوجدان المصري بالقذارة...
تلتها (موضة الفيديو كليب) التي بدأت بفتيات (الإيشارب) و تطورت (لفتيات المايوه)...
في البداية حاول المخرجون ترجمة معاني الكلمات و إيقاع الألحان إلى صورة و قصة و سيناريو...لكن الأمر استهلك سريعاً و الابتكار الذي هو أصلاً سلعة نادرة كان مطلوباً فيه بكميات هائلة...فانتهى الأمر إلى الحل الأسهل...الصورة مطلوب أن تكون جميلة إذن لتكن صورة فتاة أو فتيات...و يتم تصويرهن بثلاث أو أربع أزياء مختلفة و في ثلاث أو أربع رقصات أو أماكن مختلفة...ثم يتم (العك المونتاجي) و تقطيع اللقطات بمعنى و بدون معنى لينتهي الأمر بفوضى بصرية مهولة...!
أصبحت ترى ما يجب أن تسمعه فلم تعد ترى أو تسمع...ألغي خيالك و تم كبت ذكرياتك و تحولت لكائن لاهث وراء مليون صورة في اللحظة تراها و لا تراها...تحاول أن تفهم للصور معنى فلا تستطيع...تحاول أن تركز مع اللحن أو الكلام فلا تتمكن...
أصبحت الأغنية مجرد عملية شوشرة تغرق عقلك و وجدانك و بالتالي تشل مشاعرك و تفكيرك وسلوكك...
تحول الدواء إلى داء...!!!
و تدهور الأمر مؤخراً إلى الصوت فلحق بفوضى الصورة و أصبح هناك (عك صوتي) اسمه (المهرجانات)...
و لم يعد هناك في الأغنية لا صورة و لا صوت و لا كلمة و لا لحن....!
تحللت الأغنية و ماتت أو كادت...
و تلاشى دورها أو كاد...
و لا عجب أن الناس إذا احتاجوا لهذا الدواء لا يجدون إلا القديم منه...عاد الناس إلى أغنيات حليم و أم كلثوم و غيرها...و أصبح ما عداها يسمع بإكراه الأمر الواقع فقط...
و هنا أعتقد أن الدولة المصرية يجب أن تعود في عكس الاتجاه الذي سارت فيه أيام مبارك ربما تصلح ما أفسده عصره...!!!
0 comments:
Post a Comment