Wednesday, December 19, 2012

Abo Alhasan Alshazly



أبو الحسن الشاذلي
لافتة كتب عليها اسم الشارع الذي تقع به عيادتي بالمندرة....الاسم لفت نظري و أحسست له رنين موحي بالروحانية...ليس اسماً معاصراً و ليس علماً من أعلام السياسة أو العسكرية أو الفن أو غيرها...فمن هو إذن؟!
بحثت فعرفت أنه فعلاً علم من أعلام الروحانية ...الدين الإسلامي...التصوف...
هو سليل بيت النبوة...المغربي المولد...التونسي التعلم...المصري الموطن و الممات...
هو شيخ و أستاذ أبي العباس المرسي صاحب المقام الشهير بالإسكندرية...
هو علي بن عبد الجبار بن يوسف الملقب بتقي الدين و كنيته أبي الحسن...
ولد في عام 593 هجرية في المغرب بإقليم غمارة القريب من مدينة سبتة المغربية (الخاضعة حالياً للاستعمار الأسباني) و ينتهي نسبه للإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما...
تلقى علوم الدين الأولية في غمارة بالمغرب ثم رحل إلى تونس طلباً للمزيد...و هناك عاصر العديد من علماء عصره و تتلمذ على أيديهم و في سن الثانية و العشرين من عمره قرر الرحيل شرقاً لأداء فريضة الحج و تلقي العلم من علماء الشرق الإسلامي فسافر لمصر ثم الحجاز ثم الشام و العراق.
في العراق التقى الشيخ بأبي الفتح الواسطي (من أكبر تلاميذ سيدي أحمد الرفاعي و قد توفي بالإسكندرية و دفن بها ثم أرسل الرفاعية من بعده إلى مصر سيدي أحمد البدوي صاحب المقام المعروف) و قد أعلم الشيخ الواسطي تلميذه أبي الحسن الشاذلي أن (القطب) أو علم الزمان الذي يبحث عنه ليس في الشرق بل هو في المغرب موطنه الأصلي و أنه هو الشيخ عبد السلام بن مشيش. كر أبو الحسن راجعاً إلى المغرب للقاء الشيخ عبد السلام ثم تتلمذ على يديه و لازمه و لم يفارقه حتى أمره بالرحيل إلى تونس و بشره بوراثة (القطبانية) من بعده و أخبره أنه سيلقب بالشاذلي بعد سكنه بلدة شاذلة بتونس و قد كان و في قرية شاذلة القريبة من مدينة تونس ذاع صيت أبي الحسن و اشتهرت دروس علمه و التف حوله الناس و أصبح مجلسه و طريقه له من مظاهر الهيبة و الاحترام ما له فجر عليه هذا حسد الفقهاء خاصة القاضي أبي القاسم بن البراء فأوغروا صدر ولاة الأمر عليه فدعوه أولئك لما يشبه المناظرة مع هؤلاء الفقهاء فانتصر عليهم و أعجب به السلطان و تلطف معه لكنه قرر أن يرحل عن تونس إلى مصر طلباً لصفاء النفس و بعداً عن شحناء طلب الدنيا.
سبقه فقهاء تونس إلى حكام مصر الأيوبيين وقتها (الملك الكامل محمد الأيوبي) بوشاية أخرى توغر صدورهم أيضاً ضده مفادها أنه شيعي (بسبب نسبه الشريف...!) و خطر على الدولة (بسبب حب الناس له و التفافهم حوله...!) خاصة و أنه قد عرف عن الأيوبيين سنية المذهب و بالفعل بمجرد وصوله مصر قبض عليه ثم دعي لمناظرة أخرى مع علماء مصر وقتها و تكرر النصر للشيخ و الفشل للوشاية..!
قرر الشيخ الاستمرار في التحرك شرقاً في رحلة حج جديدة ثم عاد منها إلى تونس مرة أخرى ليلتقي بأكبر تلاميذه الشيخ أبي العباس المرسي حيث أمضى هناك ما يقرب من سنتين قام فيهما بتصفية مصالحه و بيع داره ثم زاره الحبيب (ص) في منامه و أمره بالرحيل إلى مصر فكان و هناك كانت الإسكندرية محط الرحال حيث أقام الشيخ بالقرب من منطقة كوم الدكة الحالية و كان يلقي دروسه بمسجد العطارين أقرب المساجد لداره كما ارتحل بعد ذلك للعديد من المدن المصرية منها دمنهور (و منها كان زوج ابنته رقية الشيخ علي الدمنهوري) و دمياط و المنصورة و القاهرة و مدن الوجه القبلي.
كف بصر الشيخ بعد استقراره بمصر بحوالي أربع سنوات و قيل أن وراء ذلك أن الشيخ لقي أحد الأولياء فحدثه حديثاً في التوحيد أخذ لب الرجل إعجاباً فصاح صيحة مات بعدها مباشرة فسمع أبو الحسن من قال له (يا علي لم فعلت ذلك؟ لتعاقبن بذهاب بصرك)...!
و جاءت الحملة الصليبية على مصر بقيادة لويس التاسع و استولت على دمياط ثم اتجهت إلى المنصورة و ذهب علماء الأمة إلى المنصورة ليشاركوا في الدفاع عنها و كان منهم أبي الحسن الشاذلي الذي رأى الرسول (ص) في منامه هناك و بشره بالنصر و قد تم ذلك فعلاً بل لقد أسر لويس التاسع نفسه كما هو معلوم.
بعدها عاد الشيخ إلى الإسكندرية و ظل يدرس العلم لمريديه و اشتهر عنه الشفاعات عند ولاة الأمر و السعي بنفسه في خدمة أتباعه و مريديه و لم يؤثر عن الشيخ كتباً ألفها بل كان يقول (كتبي أصحابي) معتمداً على تلاميذه في نشر العلم و الأهم أن يعملوا به و من أجمل ما أثر عن الشيخ من نصائح و عظات ما أمر به تلاميذه حيث قال (عليكم بالسبب – العمل لطلب الرزق – و ليجعل أحدكم مكوكه – آلة تستخدم في الخياطة – سبحته) في الحث على العمل لطلب الرزق و عدم سؤال الناس بحجة الزهد و التفرغ للعبادة أو التواضع و إذلال النفس بطلب العطاء الناس... كما قال (يا بني برد الماء فإنك إن شربت الماء الساخن قلت الحمد لله بكزازة - ضيق نفس – و إن شربت الماء البارد فقلت الحمد لله استجاب كل عضو فيك بالحمد لله) في إشارة لأن الزهد وسيلة لتربية النفس و للتقرب إلى الله و ليس غاية مقصودة في حد ذاتها.
اعتاد الشيخ الخروج للحج كل عام متجهاً من الإسكندرية للصعيد ثم إلى البحر الأحمر و منه للحجاز و في المرة الأخيرة في حياته أمر خادمه أن يعد ما يجهز به القبر و الميت ضمن ما يعد لرحلة الحج و لما سأل الخادم عن السبب قال له (في خميثرا سوف ترى) و قد كان حيث مرض الشيخ مرضاً شديداً ثم قبض هناك في خميثرا و دفن بها (موضع بالصحراء الشرقية المصرية قرب البحر الأحمر) عام 656 هجرية و قد أوصى الشيخ تلاميذه بأن تكون الخلافة بعده لأبي العباس المرسي (صاحب المقام المشهور بالإسكندرية).        

0 comments: