Saturday, September 6, 2014

الرسول (ص) ينتقد...!

ما خلا المجتمع الذي عاصر النبي (ص) من سلبيات و ما كان خالصا من العثرات و شابه ما يشوب المجتمع البشري في كل زمان و مكان من نقص او معايب...
و لعل من يتصور ان بعثة النبي (ص) كانت تستهدف مجتمعا مثاليا او قريبا من المثالية هو ساذج او سطحي التفكير...!
اذ كيف يكون البشر قريبون من الله تعالى ثم يحتاجون ان يرسل اليهم من يقربهم منه...؟!!
مؤكد ايضا ان مجتمع العرب تحديدا كان ابعد المجتمعات البشرية في زمانه عن النموذجية و عن المثالية في كل شيء تقريبا و لذا كان احوجها الى التدخل الالهي المباشر و الى النبوة و العلم و القدوة و الجهد و الجهاد حتى ينتقل من هذا القاع السحيق الى قمة ان يكون نموذجا تحذو حذوه البشرية...
من هنا ندرك ان المحيطين بالرسول (ص) من البشر كانوا عرضة جدا لاخطاء بل لخطايا بشرية اذا قيس سلوكهم (المعتاد) على النموذج النبوي المستهدف للهداية...!
و طبيعي ان تتفاوت اقدار الناس و حظوظهم في السقوط الى هذه الدركات و الانزلاق نحو الهاوية...فربما تعثر هذا في موقف ما ثم اصلح من نفسه و استرد مكانه و مكانته...و ربما سقط ذاك سقوطا مدويا هوى به تماما الى الجحيم...!
الشاهد هنا هو منهج النبي (ص) في مواجهة هذا...
كيف كان النبي (ص) يتعامل مع المخطيء ؟!
لاحظ معي ان الهدف النبوي الشريف من التعامل مع المخطئين في الدنيا هو تحويلهم الى نماذج و قدوة في الانتقال من تدني الخطا الى رفعة القدوة و المثل الاعلى...و ان الهدف في الاخرة هو الجنة...
اذن و بشكل عام الهدف هو الحفاظ على المخطيء من خطاه و من نفسه و من ظروف بيئته و الاخذ بيده الى الصواب...
و هنا تتجلى لك عظمة المنهج النبوي (ص) في تحقيق هذا الهدف...
تجد مثلا ان الرسول (ص) اذا علم خطا من احد بعينه من معاصريه فانه يصعد المنبر و يتحدث عن الخطا منكرا اياه دون ان يحدد من هو المخطيء او يذكره بالاسم...! بل يعرض بالامر فيقول مثلا (ما بال اقوام يفعلون كذا او يقولون كذا...)
و في هذا تحقيق للصالح العام و انكار للخطا و تعليم للمخطيء و لغيره دون جرح ذاته او اهانتها بما قد يضع المخطيء موضع التحيز لها و الدفاع عن خطاها...!
تجد ايضا ان المنهج النبوي فيه دقة التشخيص و عدالة الحكم على الاعراض حتى مع اخطر و اعصى و اخبث الاوبئة المجتمعية...النفاق...
فهو (ص) كان يعلم المنافقين وحيا بالاسم و مع هذا لم يصرح الا بالقليل من هذا العلم...و لكن من باب حماية المجتمع منهم و لان الرسالة ستمتد الى مستقبل سيظهر فيه اسماء غيرهم كان (ص) يصرح بالصفات العامة للمنافق و التي تشخصه بدقة اذا اجتمعت فيه بوضوح...و لحماية المجتمع من خطر التكفير او الاقصاء او العزل لمجرد الشبهة نبه الرسول (ص) الى ان الصفة الواحدة فقط من هذه الصفات العامة ربما توجد لدى بعض افراد المجتمع الطبيعيين و هذا لا يعني انهم منافقين بل يعني انهم على خطر الانزلاق نحو النفاق و عليهم التخلص من هذه الصفة حتى يعودوا الى مساحة الامان...
نجد ايضا في المنهج النبوي تاديب مباشر بالاسم لبعض الصحابة حين يقول له يا فلان انك امرؤ فيك جاهلية...و انظر الى دقة التشخيص حين قال (فيك جاهلية) و لم يقل (انت على الجاهلية) مثلا...!
و قد يستلزم الامر عقابا صريحا على الخطا...ما يعني بكل تاكيد ذكر اسم المخطيء و خطاه و عقوبته بكل وضوح...و هنا تجد ان العقوبات تتدرج من مجرد تغير وجهه (ص) و كان هذا كافيا كعقاب للبعض...الى تركه (ص) لمجلس معين وقع فيه الخطا...الى عقاب بدني رمزي (كالضرب بالسواك مثلا) ...الى اقامة الحد الشرعي (كمثل قطع يد السارقة او رجم الزانية)...الى عقاب قاس جدا على جريمة الخيانة العظمى (كمثل عقاب بني قريظة)...الى عقاب قاس جدا على جريمة خذلان المسلمين عند مواجهة الشدائد (كمثل عقاب الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج للجهاد)...و غير ذلك...
نعم هناك عقاب...و قد يصل لاقصى الدرجات...لكنه مقنن و متدرج و متناسب مع الجرم و مع طبيعة المجرم و مع طبيعة الظروف المجتمعية و المصلحة العامة...
و النتيجة انه في نيف و عشرين سنة تاسست بذرة الامة المسلمة...و في اقل من مائة عام نمت هذه البذرة حتى صارت شجرة عظيمة امتدت اغصانها و فروعها و اوراقها لتغطي العالم شرقه و غربه في ان واحد و في ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ...
و لعلنا نقتدي بالرسول (ص) في زماننا هذا حين نتعرض للمخطئين منا...فيكون هدفنا من التعرض هو الخير لهم و للمجتمع كله...و يكون اسلوبنا للتعرض هو الذوق و اللياقة و التنبيه و الدلالة على الخير تعليما و ارشادا ثم العقاب المتدرج بحسب تدرج الخطا و طبيعة المخطيء و الظرف المحيط بالامر كله و هي كلها تحتاج لان يوكل هذا الجانب العقابي لمتخصصين يعني لدولة و حكم عادل راشد...
و الله اعلم...

0 comments: