جامعة القاهرة هي الأقدم و الأكبر بين الجامعات المصرية و لذا هي الرمز الأشهر للجامعة المصرية بشكل عام...ربما نتذكر جميعاً ما قصه علينا التاريخ من قصة (حريق القاهرة) لكن المؤكد أننا جميعاً تألمنا لما نعاصره من (حريق جامعة القاهرة)...أو حريق الجامعة المصرية بشكل عام...
و لعل الواحد منا يسأل نفسه ما الذي أودى بالجامعة المصرية...؟! ما الذي سلك بها طريق الخراب...؟!
أليست الجامعة في كل بلاد العالم هي مركز التفكير و قلعة التخطيط و معهد التعليم و التدريب ؟ أليست هي رئة الأمة التي تتنفس منها طاقة الحياة ؟! أليست الجامعة هي فنار الهداية في دياجير الظلام المهلكة لسفينة الأمة التي تمخر عباب بحر الحياة المتلاطمة أمواجه..؟ أليست الجامعة هل بريق الفكرة و نور العلم و أمل كل ذي ألم..؟!
كيف بها تتحول إلى ميدان معركة و ساحة نزال و مضمار سباق إلى الدمار و القتل..؟!
...؟!كيف بعلماءها و قد قصرت ألسنتهم و بطلبة العلم و قد طالت أياديهم
كيف اخترقت مياه بحر الظلمات قاع سفينة العلم فأغرقتها أو كادت..؟!
كيف نخر السوس اخشابها المتينة و أكل الصدأ معدنها الصلب...؟
كيف اختلت الدفة في يد القائد...بل قل كيف أصبح القائد قائداً...؟!!!
اكتتب الشعب يوماً لبناء أول جامعة مصرية...كان الناس يحلمون بالعلم و يعلمون أن الاستعمار لا يريده لهم كي يسهل عليه استغلالهم...
نزل الغني عن بعض غناه و ضحى الفقير ببعض قوته و تشابكت الأيدي كي نرفع معاً فوق الرؤوس مشعل حضارتنا الذي سيغذي الشيء القابع داخل سجن عظمي فوق رقابنا و يقويه حتى يخرج من محبسه و يحلق في سماوات الكون و يرينا الطريق نحو الحرية و الكرامة...العقل...
و تأسست الجامعة...و من بعدها قامت ثورة و أنشأت جامعات كثيرة و بالمجان حتى أصبح لدينا في كل محافظة تقريباً...جامعة...!
لكن المأمول لم يحدث...زدنا و أنشأنا جامعات (خاصة)..بالفلوس يعني...لكن المأمول لم يحدث بعدها أيضاً...!
بالعكس أصبحنا نرى مضحكات مبكيات...نرى خريج جامعة لا يحسن القراءة و الكتابة...و خريج جامعة من تخصص (أ) يعمل في تخصص (ب) لأنه لم يجد فرصة عمل في تخصصه الأصلي...و أستاذ جامعي يبيع العلم في (كورس) و درس خصوصي و كأنه (مدرس ثانوي أو إعدادي)...و أخيراً طالب جامعي يحرق بالمولوتوف...و هو ده التطور الطبيعي للحاجة القذرة,,,للفساد...!
دب الفساد في الجامعة حين تحولت من ملتقى النابغين و الطموحين إلى قهوة الموظفين الشهيرة التي كان يرسم صورها مصطفى حسين و يكتب نصها أحمد رجب...أولئك العاطلين بشرطة أو البطالة المقنعة أو العمالة الزائدة...
صارت الأمانة مغنماً...ادفع لتحصل على الدرجات العلى...ثم ادفع لتحصل على التعليم و التدريب الحقيقي (الخصوصي) مش أبو بلاش...!
ادفع لتحصل على البعثة أو تدرك الفرصة أو تجلس على الكرسي...
ليس ضرورياً أن تدفع المال..ممكن تدفع بطرق أخرى...ممكن تقدم خدمات (خاصة) يعني تتجسس لحساب هذا الشخص أو ذاك أو لحساب هذه الجهة أو تلك...ممكن لو شئت (بكسرة تحت التاء) أن يكون الدفع من زكاة الجسد و جهاد المناكحة...ممكن تدفع من كرامتك و قيامك بأعمال الخدم و الحشم...ممكن أشياء كثيرة جداً ليس من بينها مجهودك العلمي...
و هكذا قضي تماماً على دور الجامعة بل بالعكس أصبحت كياناً مخيفاً كبيت الأشباح كئيباً مظلماً مليئاً بالفخاخ المعفونة و الحيل المنتنة و نباح كلاب تلهث حول قطعة لحم تدمي او عظمة جيفة أرمت...!
أصبحت الشهادة من الجامعة المصرية كالجنيه من البنك المصري..بلا قيمة...!
أصبحت قصة تعيين (أولاد الأساتذة) في كراسي أبائهم (قصة التوريث إياها)....أصبحت قصة (بايخة) من كثرة تكرارها على المسامع...!
أصبحت القضايا المرفوعة على الجامعات المصرية من (المظاليم) الذين طردوا ظلماً أو نكل بهم (لأنهم لم يدفعوا المعلوم) أصبحت تحتاج لإنشاء فرع جديد من القضاء...سمه القضاء الجامعي إن شئت...!
لطمنا خبر أن الجامعات المصرية لا تحتل أي مكان من بين المائة جامعة الأوائل في العالم...مع أننا لم نستغرب كثيراً لكون جامعة أو أكثر من إسرائيل جارتنا اللدود ذات الأربع أو خمس جامعات فقط تحتل هذه المكانة بل و يخرج منها من يحصلون على (نوبل) في مجالات العلوم المختلفة بين الحين و الآخر و نحن (و لا أي اندهاش)...!
ألفنا التخلف و اعتدنا الخذلان و افتقدنا صاحب كل دور في المجتمع عند واجبه و وجدناه فقط عند حقه و كان في مقدمة من يفعل هذا للأسف الأستاذ الجامعي...!...
طغينا في الميزان...نسينا الله فأنسانا أنفسنا...
رفعنا شعار (اطلع بره) و (سافر لو عاوز تعيش صح)...حتى الذين نحبهم قلنا لهم (أنتم خسارة في البلد دي)...!!!
أغلب طلبة الجامعة أصبحوا يذاكرون دروسهم في خطين متوازيين...خط التعليم الجامعي المصري و هذا كأنه بطاقة شخصية أو أوراق هوية مضطر لها و إن كان لا يدري لها فائدة قط...و خط التعليم البديل (إنجليزي أو أمريكي أو غيره) و هذا هو مستقبله الحقيقي و الشيء المفيد بالنسبة له سواء (سافر) أو استمر في الوطن...!
إن (حريق) الجامعة الذي نراه يا سادة ليس إلا(قمة جبل (الجليد)...أما الجبل نفسه فقد رايناه و أهملناه منذ زمن بعيد...
أما الإصلاح فرغم هذا كله هو سهل و ميسور...
ثلاث كلمات...وسدوا الأمر لأهله...
و الله أعلم