Monday, April 7, 2014

على هامش أحداث أسوان الأخيرة...(القبلية) ما لها و ما عليها.

منذ أن خلق الله تعالى آدم في (الجنة) و حتى خلق الله تعالى حواء منه كانت حياة آدم مليئة (بالوحشة) مظلمة (بالوحدة) و خالية من (الأنس) و (الألفة) و رغم أن آدم عليه السلام خلق في الجنة بما فيها من نعيم إلا أن افتقاد الوليف من جنسه طغى على متعة النعم الأخرى فأخفاها عن الشعور أو كاد...
و منذ أن خلق الله تعالى حواء لتؤنس وحشة آدم و ليكون منهما معاً كل جنس البشر أو بني آدم و إلى يومنا هذا و الإنسان قد عرف معنى الأسرة و قيمة المجموع البشري بصرف النظر عن الاحتياج لأمر لا يقضى إلا به أو الاحتياط لشر لا يصرف إلا به...
و كبرت الأسرة الإنسانية و تفرعت أغصان شجرة عائلة آدم و تباعدت تارة و تشابكت تارة و علت في السماء منها فروع و سقطت في الأرض منها فروع...و رغم الأصل الواحد إلا أن المصير لم يكن دائماً واحد ...
أدرك البشر قيمة العائلة في حد ذاتها كحضن دافيء و أنس دائم قبل أن تكون حمى من شر و أمان من خوف و ملاذ عند الشدائد...و لما تباعدت فروع العائلات و آل كل منها لمآل مختلف سحبت كل عائلة على نفسها مفهوم العائلة البشرية و تحجرت الأصل الإنساني الواسع في حجر ضيقة كان منها القبلية و الشعوبية و القومية و العرقية و غيرها...
و رغم هذه المخالفة المبدئية في التفكير و التنفيذ استمرت هذه الحجر الأضيق من مفهوم الإنسانية في أداء نفع كبير للبشر...كان فيها حفظ قيم الأسرة كتوقير الكبير و رحمة الصغير و التضامن عند الملمات و كان فيها حفظ المحتوى و التراث الثقافي و الروحي البشري من علم و فكر و دين و كان فيها واجب تحمل المسئوليات و نبل تقديم التضحيات و غيرها...و بطبيعة الحال يكون لكل مخالفة ثمنها فدفعت البشرية ثمن الخروج من عباءة البنوة لآدم و إعجاب كل ذي نسب تفرع من آدم بنسبه الفرعي أقول دفعت البشرية ثمن هذا غالياً...فمن لدن جريمة القتل الأولى في التاريخ (قتل هابيل) و حتى يومنا هذا عرفت البشرية جرائم كثيرة بسبب التعصب للفرع و نسيان أن أصل البشر كلهم واحد...كان من بين هذا مثلاً أن استعبد الأبيض الأسود...و تعالى الآريون على الساميين...!
بل لعلك تجد داخل الشعب الواحد تمييزاً على أساس العصبية...فبنو إسرائيل (اليهود) يرون أفضليتهم على بني إسماعيل (العرب) مع أن الأصل الإبراهيمي واحد...بل لعلك تجد داخل العرب أنفسهم تمييزاً...فهؤلاء عدنانيون و أولئك قحطانيون...بل داخل العدنانيين تجد الهاشميين و الأمويين...بل داخل الهاشميين تجد العلويين و العباسيين...و هكذا...!!!
و الثابت من هذه الحقائق أن صلة النسب بين بني آدم جميعاً موجودة علموها بتفاصيلها أو جهلوها...أقروها أو أنكروها...أدوا حقها أو جحدوه...لكن الكل من أصل و نسب و عصبية واحدة...الكل لآدم...و آدم من تراب كما علمنا الإسلام...
لا تبدو مشكلة البشر في اتصالهم من جهة الأنساب و الأصل المادي إذن و إنما تنبع من فساد اتصالهم من جهات أخرى أولها جهة العقل و هو السيد المطاع على ما سواه في كل إنسان...فتفسد صلات البشر العقلية إذا اتبع كل منهم هواه و طغى في ميزانه فأنكر الثابت أو أثبت المنكر زلفى لمنفعة بغير حق أو فراراً من فريضة تستحق...و هنا ينساق البشر كقطيع أغنام خلف الرأس الأكبر في (ايديولوجية) ما أو منهج دنيوي أو حتى ديني ما...و حين يقصر الرأس إياه عن قيادة العقول بالتواصل معها بالعقول يستحضر وسيلة الاتصال الباقية و هي لا شك أدنى من العقل...الاتصال المادي...فينادي أين فصيلتي التي تؤيني..؟! من ينصر ابن عائلة كذا أو سليل قبيلة كيت..؟!
و ينسى الناس نصرة المنطق أو العقل و يهرعون عاطفياً لنصرة الاسم أو اللقب الذي يحملونه...!!!
حتى في التاريخ الإسلامي...جر هذا السلوك على الأمة فتناً كانت في غنى عنها و لم تفلح مئات السنين في وأدها بكل أسف...
كان على رأسها أحداث الفتنة الكبرى...التي أتهم فيها ذا النورين عثمان بن عفان بمحاباة قبيلته بني أمية على حساب غيرهم من المسلمين...ثم من بعد هذا قتل عثمان (رضي الله عنه) مظلوماً ثم اقتتل الصحابة الكبار ثم فرض توريث الحكم في العهد الأموي ثم العباسي و تشعب المسلمون إلى سنة و شيعة و تشعب الشيعة إلى ملل و نحل كثيرة و حلت كوارث كبيرة بالأمة بسبب فكرة الانحياز للقبيلة أو الأهل و العشيرة و لو كانت الفكرة كاذبة...!!!
و كان منها ما حدث بعد أن هاجر المسلمون إلى المدينة و أظهر أهلها الأنصار لهم من الإيثار ما استحق أن يمتدحه الرحمن سبحانه في قرآنه الكريم ...يوم أن اختلف أحد المهاجرين مع أنصاري فنادى كل منهما حزبه..يا للمهاجرين يا للأنصار...و كادوا أن يقتتلوا و الرسول (ص) بين ظهرانيهم...!
و كان منها أن جلس يهودي ذات يوم يغني بشعر قيل في يوم بعاث (يوم حرب في الجاهلية بين قبيلتي الأوس و الخزرج الأنصاريتين) فسمعه الأنصار و تذاكروا اليوم و تهيجت المشاعر و تنادوا للسلاح من جديد و رسول الله (ص) بين ظهرانيهم...!
حتى في تاريخ الإسلام كانت العصبية للقبيلة و العشيرة أمراً مدمراً مخرباً لولا أن تداركت رحمة الله المسلمين...
و رأينا في زماننا المعاصر...قبائل أفريقية تتقاتل حتى تسقط الجثث بالملايين...(تذكرون التوتسي و الهوتو في رواندا)...نعم فالقبلية ليست حكراً على أحد في مفهومها و لا في خرابها اليقيني...!
و اليوم أحسب أن أحداث الفتنة القبلية بين العرب و النوبيين في أسوان بجنوب مصر هي درس جديد أو اختبار قاس لرصيد هذا الشعب المصري من التحضر و لقدرته على التعايش السلمي و لجدارته بمكان بارز في طليعة الجنس البشري...
اللهم إنا نسألك لمصر و أهلها أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يهتدي به أهل معصيتك و يصلح عليه أمر دنيانا و آخرتنا إنك ولي ذلك و القادر عليه...و الحمد لله رب العالمين... 

0 comments: