ليس كل البدو عربا...و ليس كل العرب بدوا...!
البداوة معناها البعد او الحياة المنعزلة في بيئات صعبة كالصحاري (بانواعها)...
و البيئات الصعبة المنعزلة كالصحاري بانواعها لا توجد فقط في الجزيرة العربية...
بل توجد ايضا في شمال افريقيا و في مناطق و قارات اخرى حول العالم ...
اما العرب فمنهم من عاش في حياة البداوة و هم (الاعراب) كما سماهم القران الكريم نفسه...و منهم من عاش الحياة في البيئة التقليدية الطبيعية بيئة الحضر كمثل من عاشوا قديما في مكة و الطائف و غيرها من الحواضر...
الشاهد هنا ان سكنى البيئة القاسية او المنعزلة امر ليس اختياريا بالطبع و في الغالب هو اما وراثة (بحكم المولد) او عقوبة (كالنفي) او جزء من عمل طبيعته القسوة (كالجندية مثلا)...
و اذا كانت حياة البداوة وراثة فهي امر مستمر دائم في الغالب الاعم و يصعب التحول عنه الى حياة الحضر خلافا لو كانت مؤقتة بمدة عقوبة او بانتهاء مهمة العمل...
و ككل امور الحياة الدنيا لا تخلو البداوة من مميزات و لا من عيوب...
البيئة المنعزلة تفرض على قاطنيها رغما عنهم فكرة (النقاوة) او (التفرد) عما سواهم و ذلك بحكم العزلة نفسها قبل اي حكم اخر...!
و تظهر هذه الفكرة في مظاهر مثل (القبلية) و (القومية) و (المناطقية او الجهوية) مثلا...و هي صفات اصيلة في البدو و اقل استظهارا في الحضر...
و تفرض البيئة القاسية على سكانها ايضا القسوة و خشونة العيش اذ لا معنى للترف عندما لا يوجد من يقدره...و لا بقاء للدعة و النعومة مع تقلب الاحوال القاسية فوق الرؤوس...!
ايضا تفرض البيئة القاسية الغير مستقرة على من يحيا بها نفس طبعها المتقلب هذا فمن بين نهار شديد قيظه الى ليل شديد برده مثلا يتقلب الاحياء فيها بين التناقضات و يتعرضون لهذا التقلب بصورة حادة و خاطفة كان يحدث هذا بين عشية و ضحاها مثلا و بالتالي لا يصح ان يستقيم لهم راي واحد او حالة من الرضا الدائم ابدا و الا هلكوا...! كما انهم ضبطوا افكارهم على توقع السيء باستمرار و التوجس من القادم و الشك في كل طاريء او جديد و الريبة من كل غريب...اذ لو كان يطرا على هكذا بيئة خير قط لما انتهت الى ما هي و الى ما اصبحوا هم عليه...!
هكذا علمتهم البيئة التي اضطروا للتعايش معها...!
و بالكاد تفلح جماعة من البشر في التصدي للبيئة المنعزلة القاسية هذه و التعايش الدائم او حتى المؤقت معها فما بالنا بالفرد الواحد...مؤكد انه لن يستطيع ان يفعلها الا بمعجزة...!
و لهذا لا تعرف البداوة فكرة القبلية من زاوية النقاوة التي فرضتها العزلة فقط بل من زاوية استحالة الحياة الفردية اصلا في هكذا بيئة قاسية...!
و قد تشتد البيئة في قسوتها على من رضوا بها حتى تكرههم اكراها على عدم الرضا و استحالة البقاء و الاختيار بينه و بين الفناء فيرضخوا للرحيل و يقهروا على فراق ما اعتبروه وطنا و مستقرا و مخالفة ما الفوه او كادوا من الاحوال و التهيؤ لمواجهة مجهول هم دائما لا يثقون فيه...!
و علمهم هذا ان المشاعر الانسانية ضعف خطير هو و الهلاك صنوان...!
حب الوطن ضعف...حب البيت و السهل و الجبل ضعف...حب الحيوان و النبات ضعف...حب الجذور ضعف...
اما القوة عندهم فصارت مرادفة للتحجر العاطفي و التبلد الحسي و تقديم حب البقاء للذات على ما سواه...هكذا علمتهم بيئة لا ترحم...!
و لما كانت البيئة معزولة و قاسية و غير مستقرة و غير مستدامة و اهلها دائمي البحث عن محرد البقاء قبل اي هدف اخر...كان تسجيل الحياة و احداثها و ملاحظة متغيراتها و ثوابتها و تامل قوانينها و حساباتها و توثيق افعالها و تصريفاتها و غير ذلك من مفاتيح العلم امرا صعبا او مستحيلا...و لذا كان التعليم من خارج البيئة او حتى من داخلها امر استثنائي و على اهميته و فوائده الا انه بحكم البيئة امر غير مسموح به و تبقى منه فقط ذكريات تحكى او حكايات تحفظها بيوت الشعر او تحملها قصص الحكائين و غيرها من الوان الادب و فنون اللغة...!
و ربما يصطدم البدوي ببيئة جديدة او ببشر منها سواء كانت بدوية او حضرية فيشعر بالاختلاف و قد تكون المقارنة في غير صالحه و ربما لدرجة تقلل جدا من ثقته بنفسه او تقديره لذاته فيستثير هذا عنده خليط من الغضب و ربما كراهية الاخر كما يستثير فيه حب الذات و الرغبة في اثبات الوجود و فرض الظهور و قهر الاخر على تقديره و هي في مجملها اصل صفة العناد...!
اذن البداوة ظاهرة بشرية تحتاج الى التامل و الفهم و الاهتمام...و ليس مجرد الحب او الكره...
و احسب اننا في الوقت الحالي خاصة في مصر نحتاج لهذا التامل و الفهم و الاهتمام اكثر من اي وقت مضى...
Friday, April 24, 2015
البداوة...ظاهرة نحتاج لدراستها...
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 comments:
Post a Comment