رمضان مع يوسف 15 (يوسف
و التثبيت الإلهي):
كم من مواقف ضاغطة أو إن
شئت قل قاهرة يمر بها الإنسان في حياته و يستشعر معها أنه على حافة الهاوية وأن السقوط
فيما يكره و البعد عما يحب بات وشيكاً...
في أمثال هذه المواقف ربما
شعر الإنسان باليأس و قلة الحيلة و انقطاع السبل و أصبح فعلاً لا حول له عما يكره و
لا قوة له على ما يريد...
وهنا لا يكون أمام ابن
آدم إلا السماء...اللجوء إلى إلهه الذي خلقه لعله يفهم هذا الموقف و يعرف نهايته فتهدأ
نفسه و يذهب جزعه ويثبت على الحق...أو ربما رفق به ربه فخفف عنه الهم بأقل منه مؤقتاً
حتى يرفعه عنه تماماً... أو ربما رفع عنه ما يضره بالكلية...أو ربما دله على حيلة أو
تدبير يحقق له ما يريد ...
هذه كلها صور من التثبيت
الإلهي على الحق...حتى لا تغلب الظروف و الأقدار القاهرة إرادة الخير عند العبد...
و قصة يوسف في مجملها هي
لون من ألوان التثبيت الإلهي الذي ساقه الله تعالى لنبيه محمد (ص) و لنا من بعده...لأن
فيها بشارة بالنصر بعد الصبر و بالفرج بعد الضيق و بتحقق الأحلام و شفاء المريض و عودة
الغائب و هزيمة الشيطان و خيبة كيد الظالمين و غيرها مما يطمئن كل نفس مؤمنة ضاقت عليها
دنياها أو تصورت أن الله قد جعل لأهل الباطل عليها سبيلاً لا فكاك منه...
و القصة في أحداثها روت
لنا كيف كانت العناية الإلهية ترعى الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب في مواطن كثيرة...
كيف تدخلت هذه العناية
لتطوع نتائج الكيد ضد يوسف إلى الخير ليوسف...
كيف تدخلت هذه العناية
لتحفظ يوسف من الشر و تجعل حتى سجنه حماية له و حراسة من الفساد...
في القصة خمسة مواضع صريحة
للتدخل المباشر من الله سبحانه لصالح يوسف في مواقف ما كانت حيلة يوسف أن تتجاوزها
...
الموضع الأول حين ألقاه
إخوته غلاماً في الجب بغير قميص...
موقف يخلع قلب الكبير البالغ
فما بالنا بغلام صغير...
وحده يوسف في ظلام البئر
و قاعه المليء بالماء ليس معه إلا اليأس من أن تدركه رحمة أقرب الناس إليه...ماذا عساه
يدور بخاطر غلام في سنه في هذا الموقف...؟!
إحساس بالغيظ و الحنق على
إخوته...رغبة في الانتقام منهم دون أدنى قدرة على ذلك...قلق من مستقبل لا يبدو منه
أي بشارة...حزن على فراق حضن أبيه و حنان أمه...
ربما كل هذا كان طبيعياً
و ممكناً و كنا نتوقع بعد فيضان المشاعر السلبية هذا أن ينفجر يوسف باكياً أو لاعناً
أو صارخاً مثلاً...
لكن شيئاً من هذا كله لم
يحدث...
العكس تماماً هو الذي حدث...
رأينا خاطراً غريباً أتى
يوسف في هذا الموقف...
رأى يوسف نفسه يوماً ما
في المستقبل و هو يحدث إخوته عن هذا الموقف الذي كادوا ليضعوه فيه...يحدثهم حديث المذكر
المعاتب و هم لا يدركون أنهم يتحدثون مع من ظلموه في الماضي...
أي خاطر هذا بكل هذه الثقة
في النصر و التمكين و أنت يا يوسف لا تدري حالك بعد لحظات...؟!
إنه الوحي...التثيت الإلهي...وارد
الرحمن الذي لا يرده عقل الإنسان....
و كلنا يتذكر قصة غزوة
الخندق حين كان المسلمون يحفرونه فعرضت لهم صخرة قوية ما استطاعوا كسرها فاستعانوا
بالرسول (ص) فجاء و ضربها ثلاث ضربات ومع كل ضربة كان يكبر قائلاً (الله أكبر...أعطيت
مفاتيح كذا) أي من البلاد...
موقف حصار شديد و خوف من
الغزو و أزمة حتى مع السلاح الدفاعي الذي قرر المسامون الاستعانة به...ومع هذا خاطر
من الرحمن يوحي للنبي ليس فقط بزوال هذه المحنة بل و يبشره بفتوحات البلدان التي ذكرها...!
إنه التثبيت الإلهي...
الموضع الثاني في قصة يوسف
من مواضع التثبيت الإلهي كان موضع بيعه رقيقاً لعزيز مصر...
أيفرح يوسف بالخروج من
الجب إلا لو كان إلى الحرية ؟!...
غلام صغير وضع في أزمة
كبيرة ليخرج منها إلى أزمة أكبر...!
الذين أخرجوا يوسف من البئر
استبشروا به لهيئته الجميلة و ربما كلماته المهذبة أيضاً إذ لعل يوسف شكرهم على صنيعهم
أو حاول أن يشرح لهم الموقف...لكنهم لم يكونوا من النبل بحيث يسألوه عن موضع أهله و
يردوه إليهم...بالعكس كانوا من النذالة بحيث رأوها فرصة تجارية لربح بعض المال...فاعتبروه
رقيقاً مملوكاً و باعوه...!
باعوه بثمن بخس على أي
مقياس ذلك أن المشتري كان عزيز مصر و هو من هو قدرة على دفع الثمن...و باعوا بضاعة
تستحق الثمن الغالي بدليل تقدير العزيز ليوسف و تصريحه بأنه سيتخذه عوناً له أو ربما
يتبناه...لكن البائعين كانوا ككل لص يريد أن يتخلص من جسم الجريمة مقابل أي ثمن فزهدوا
في الثمن و قبلوا بدراهم معدودات...!
أي فرج هذا الذي أخرج يوسف
من ضيق الجب إلى قيد الرق...؟!
هكذا نفكر نحن ونرى الصورة...لكن
العناية الإلهية صرحت لنا بأن هذا هو عين الخير ليوسف...
هو وضع يوسف الغلام ليستكمل
تربيته في أفضل مكان في العالم حوله حينئذ...قصر عزيز مصر...و أي تمكين أفضل من هذا
...؟!
أليس الحضر أرقى و أرق
حياة من البدو حيث ترك يوسف أهله..؟!
أليس قصر العزيز أعظم بيت
في حضر مصر ...؟!
أليس العزيز نفسه قد أعجب
بيوسف و قرر إكرامه و تربيته ليكون مساعداً له أو حتى ولداً بالتبني...؟!
بالفعل كان إلقاء يوسف
في الجب ثم خروجه منه للبيع رقيقاً هو سبيل لم يدر بخلد أي من أبطال القصة ليتربى يوسف
في أفضل مكان في زمانه...
و ما كان هذا ليحدث إلا
بالقدرة الإلهية التي تسخر حتى الأعداء لخدمة من تشاء...
إنه التثبيت الإلهي...
الموضع الثالث في قصة يوسف
من مواضع التثبيت الإلهي ليوسف كان موضع غواية امرأة العزيز له...
يوسف في هذا الموضع كبر
ولم يعد ذلك الغلام الجميل الذي دخل البيت على امرأة العزيز بل صار في أقوى مراحل العمر
و ازداد وسامة و جاذبية ناهيك عن موضعه من السلطة كمساعد للعزيز و عن رجاحة عقله و
نجاحه...و كلها تجعله غواية لإمراة العزيز التي يعيش معها في نفس المكان...
و امرأة العزيز مؤكد أنها
كانت على قدر من الجمال و موضع من السلطان و من الحسب و النسب حتى تليق بالزواج من
العزيز...و مؤكد أيضاً أن فارق السن بينها و بين يوسف لم يكن كبيراً بالدرجة التي يتسحيل
معها التفكير في علاقة بينهما...
إذن الأمر جد خطير...
عناصر الغواية
مكتملة من يوسف لإمراة العزيز و منها له...
و في مثل هذه المواقف يحتفظ
الشيطان بجهده و لا يتعب نفسه و يترك المهمة بالكامل لشهوة الإنسان كي تقضي عليه...
و ما أدراك ما شهوة الجنس
عند بني آدم...سواء الرجال أو النساء...؟!
إنك إن نظرت فقط لحجم ما
تنفقه النساء من مال و وقت و جهد على الزينة و الحلي و ما تتصنع به للرجال تصنعاً لعلمت
لأي مدى تتغلغل فيهن الشهوة...و لونظرت فقط لحجم ما يعانيه الرجل من جهد و مشقة حتى
يستطيع أن يظفر بأنثاه زوجة له لأدركت أيضاً مدى تغلغل الشهوة في الرجال...
إذن نحن أمام معادلة لا
تحتاج لأي عنصر محفز و لا أي تدخل خارجي...و لا حتى من الشيطان نفسه....المطلوب فقط
هو تدبير الظرف الملائم للقاء المحرم...!
بالطبع ما كان يوسف (ص)
هو الذي سيتخذ هذه الخطوة نحو الفاحشة أبداً...إذن طبيعي أن تتخذها المرأة الشبقة...
و بالفعل هيأت المرأة البيئة
المحيطة بمكان اللقاء بحيث لا يقطع الوصال أحد...و هيأت نفسها كما تتهيأ النساء لمثل
هذه المواقف...و انطلقت نحو يوسف بالقول الصريح...أنا اليوم لك...! ذلك أنها كانت تعلم
منه العفة عن النظر المحرم فما كان يغني عنها أن تتصنع أمامه بالفعل و لم يكن أمامها
بد من التصريح له بالقول...فقالتها بوضوح...هيت لك...
موقف ضاغط قاهر...شاب قوي
مؤكد أنه كان وقتها بلا زوجة ...تدعوه امرأة ذات مال و جمال...و كل الظروف مواتية لأن
ينهل من رحيق الشهوة و يستمتع بالمعروض عليه ...و ما كان على الرقيق مثله من حرج ...فما
الذي ينتظر من العبيد و الجواري إلا طاعة أربابهم في كل شيء حتى الشهوة...؟!
لو فعل لأدرك اللذة و ما
كان عليه من عتب أواعتبار لعتب أمام الناس...
لكنه يوسف...
لم يجد ساعتها ما يرجح
كفة العفة عنده على كفة الفحشاء إلا اللجوء إلى الله فتعوذ به...
و لم يجد عندها إلا أن
يذكرها بزوجها الذي أحسن تربيته في بيته فكيف يرد الإحسان بالإساءة...؟!
و يبدو أن المرأة قد طاش
صوابها من شدة الرغبة فمرت على كلمات يوسف كأن لم تكن و قررت أن تنتزع منه ما تريد
لا أن تطلبه...
و قرر هو أن يحقق ما قال
من معاني نبيلة أيضاً و لو بالقوة...
و كاد الأمر أن يتحول من
لقاء عشق محرم مدبر من المرأة ومرفوض من الرجل إلى حلبة صراع لفرض المطلوب أو لرفضه
بالقوة ...
و من يدري ما نتائج استخدام
العنف في موقف عميت فيه المرأة بشهوتها و تمسك فيه يوسف بعفته...
و لم يكن هناك بديل من
استخدام القوة من الطرفين...
هنا تتدخل العناية الإلهية
لتدل يوسف على الحل الذي يجنبه استعمال القوة مع المرأة و يجنبه في نفس الوقت شراسة
شهوتها التي طار معها عقلها...إنه الفرار تجاه الباب...حتى لو كان الباب مغلقاً بكل
ما يحكم غلقه...عليك يا يوسف الاتجاه نحو الباب و علينا أن نوجد لك المخرج منه مهما
كان موصداً بإحكام...
كان هذا الخاطر هو طوق
النجاة ليوسف من الاستسلام للسقوط في الفاحشة و من استخدام العنف مع امرأة العزيز لمنع
السقوط فيها... و فعلاً جرى يوسف تجاه الباب المغلق بإحكام...و جرت وراءه المرأة التي
لوعها الهوى...جرت و الإصرار يملأها على أن تنال منه ما تريد...حتى إنها أدركت جزءاً
من قميصه من جهة الخلف فتعلقت به بينما يوسف يجري فقطع القميص...و بالطبع لم يكن على
المرأة أو ملابسها أي شيء من هذا...
و كانت النجاة كما الوعد
الإلهي ليوسف فعلاً على الباب...إذ كان يقف عليه العزيز و رفقة معه و يتهيأ لفتحه و
الولوج منه للداخل...
و لما فتح الباب بالطبع
أدهشه المنظر فبادرت امرأة العزيز بتأويله و رد يوسف بالصدق ليدفع اتهامها الباطل و
تم التحقيق في الأمر و ثبتت براءة يوسف...
كان التثبيت الإلهي ليوسف
حاضراً في انتصاره على الفتنة بالشهوة...و في لجوءه إلى الله ليحفظه من ضعفه البشري...و
في نصحه للمرأة بأن تتذكر حق زوجها و تقدر وفاء يوسف له و تقتدي به...و في فراره من
المرأة دون أن يعاملها بعنف كي يردها عن نفسه...و في وصول العزيز و رفقته في الوقت
المناسب كي ينهي الموقف عند هذا الحد...و في عدالة التحقيق في الأمر و الحكم فيه ببراءة
يوسف...
إنه التثبيت الإلهي...
الموضع الرابع من مواضع
التثبيت الإلهي ليوسف في القصة كان موضع النسوة اللاتي قطعن أيديهن فتنة بيوسف و دعوتهن
إياه للاستجابة لإمراة العزيز التي ازدادت عناداً و إصراراً و تبجحاً في نيل مبتغاها
منه إلى حد تهديدها له بالسجن و الإهانة إن لم يفعل...!
هذه المرة أضيف لضغوط موقف
يوسف السابق مع امرأة العزيز ضغوطاً جديدة يدهش لها الإنسان و تجعل الحليم حيران...
فامرأة العزيز التي افتضح
أمرها بين نساء المدينة و صرن يتندرن بها قد تحولت إلى نمر جريح...جرحت في كبريائها
الأنثوي ثم في سمعتها بين قريناتها...و لم يكن في إمكانها نفي الأمر بعد إذ تم التحقيق
فيه و ثبوت الخطأ عليها و البراءة ليوسف...إذن لم يعد أمامها إلا التمادي في الأمر
إلى آخر مدى...مع إثبات العذر لها ...واثقة لسبب ما في أنها لن تتعرض لسوء من وراء
هذا بسبب موقعها من العزيز...
و بالفعل دبرت امرأة العزيز
موقفاً أثبتت لنفسها فيه أمام النسوة في المدينة العذر في هوى يوسف ...ونجحت خطتها
أيما نجاح و تحول اللوام لها إلى داعمين مؤيدين...و ازدادت هي تبجحاً بالعذر الجديد
و أعلنتها صريحة إما أن يرضخ يوسف أو أن يسجن كما يفعل بالمهانين المجرمين...!
و الواضح أنها كانت امرأة
قوية المركز لسبب أو لآخر عند العزيز فلم يستطع حسم أمره كزوج معها بما يلزم ...ناهيك
أنها قد حولت أمرها المفتضح هذا إلى حركة نسائية بين قريناتها من النساء تدعمها و لا
تلمها ...!
كان الضغط أشد على يوسف
هذه المرة عن سابقتها...
مؤكد أن سلاح الغواية لم
تتوقف امرأة العزيز عن استعماله معه...و الواضح أنها أضافت إليه سلاح التهديد بالسجن...فضلاً
عن الحصار الاجتماعي المفروض من النسوة في المدينة...
و هنا يأتي التثبيت الإلهي
ليوسف وتتدخل العناية الإلهية لصرف اهتمام النسوة عنه و غوايتهم له فلعلهم انشغلوا
عنه بشيء آخر من لهوهم أو مكائدهم العبثية...
لكن الأمر لم يكن كذلك
بالنسبة لإمرأة العزيز التي كان هو في بيتها و محال أن تتشاغل عنه بغيره... و لما كان
محالاً أيضاً أن تترك هي بيتها للفصل بينها و بين غرامها...فاستقر الرأي على أن يترك
يوسف البيت إلى السجن المؤقت ترضية لإمرأة العزيز و رجاء أن يصيبها ما أصاب النسوة
في المدينة من الانشغال بغيره من الأمور...و كان هذا الحل هو عين ما تمناه يوسف من
ربه للخلاص من هذه لأزمة...
و بقدر ما كان السجن فرصة
ليوسف للخلاص من الدعوة المستمرة للفاحشة كان في نفس الوقت فرصة له للدعوة لدين الله...
إنه التثبيت الإلهي...
الموضع الخامس من مواضع
التثبيت الإلهي ليوسف هو موضع اشتياقه لشقيقه حين رأى إخوته في مصر وعرفهم و هم لم
يعرفوه...
مؤكد أن رؤية يوسف لإخوته
و تعرفه عليهم قد هيجت عنده ذكريات أليمة منهم ومعهم....
و مؤكد أنه تذكر شقيقه
الذي كان يشاركه المعاناة منهم و طاف بخاطره أفكار مؤلمة عن احتمالات مصيره معهم فيما
سبق...
لم يكن ممكناً أن يصرح
يوسف لإخوته بحقيقة الأمر قبل أن يتأكد من سلامة شقيقه ثم يستنقذه من براثنهم...فلربما
لو رأوه على الحال الجديد لاستحضروا ماضي الغيرة منه ثم ذهبوا فصبوا حنقهم منه على
شقيقه...و لهم في المكر و المكيدة تاريخ هو يعرفه...!
كان على يوسف أن يحتال
للأمر...أن يكتم حقيقته عن إخوته و أن يتدبر في نفس الوقت حجة مقنعة لهم تجبرهم على
إحضار شقيقه معهم إليه..ثم يتدبر حجة مقنعة تجبرهم على ترك شقيقه معه في مصر...
كل هذا التدبير المحكم
لم يكن من عنديات يوسف بل كان بالتعليم و المشيئة الإلهية لتثبيته في هذا الموقف الصعب...موقف
استخلاص الأخ الشقيق من براثن عصبة الإخوة الغير أشقاء دون أن يشعروا و دون أن تتاح
لهم الفرصة لإيذاءه...
تظاهر بممارسة عمله في
الإشراف على توزيع الميرة ثم اقترب من إخوته و أبدى تعجبه من عددهم الكبير و سألهم
عنه فلعلهم بينوا له أنهم أكثر مما يرى وأن لهم أخ بقي مع أبيه الذي لا يفارقه و لولا
هذا لكان عددهم إثنا عشر أخ...
ادعى يوسف الريبة فيهم
ثم أمهلهم الفرصة لاستحضار أخيهم الذي ذكروه حتى يتأكد من صحة كلامهم و رد إليهم بضاعتهم
باعتبار أنهم إن صدقوا في ما يقولون فهم يستحقون العطف و حسن المعاملة و يستحق أخوهم
المتبقي نصيبه من الميرة أيضاً...و إن كانوا كاذبين فهم لا يستحقون الميرة و لا دخول
البلاد أبتداءاً ...
و لما جاء إخوة يوسف مع
شقيقه كان ما كان من إدعاءه السرقة على شقيقه و النزول على شريعتهم هم في حكم استرقاق
اللص و بالتالي حتمية بقاء شقيقه المدان بالسرقة في مصر ...و نجحت المكيدة و أفلت يوسف
بشقيقه من إخوته و ضمه إليه في سلطان مصر...و ترك إخوته يشعرون بمرارة عدم القدرة على
حماية أخيهم و بألم الحنث باليمين التي أدوها لأبيهم حتى يدركوا عظم جرمهم المماثل
سابقاً مع يوسف...و لذا لما التقاهم لاحقاً و قد كسرتهم الحاجة إليه و صح فيهم ظنه
السيء ذكرهم بأن هذه ليست المرة الأولى لهم في مثل هذه الموقف المشين الذي ينم عن الجهل
أي العمل الذي يستند لمخالفة الحق...
و هنا أدرك إخوته خطأهم
و اعتذروا عنه و سارت القصة كما تعلمنا...
إنه التثبيت الإلهي...
رأينا كيف ثبت الله يوسف
تحت وطأة الإيذاء و ظلمة الجب و شهوة الجنس و فسق المجتمع و قسوة الحبس و الحرص على
الشقيق...
و تعلمنا أن يد العناية
الإلهية ترعى الصالحين و تتدخل مباشرة لتثبتهم و لتحميهم و لتستجيب دعائهم و لتكيد
لهم ....
ولعلنا نستبشر بهذا خيراً
يثبتنا على الحق و يمسكنا به...
ولا زال لنا المزيد من
الخواطر حول قصة يوسف...
تابعونا...
0 comments:
Post a Comment