Tuesday, July 14, 2015

رمضان مع يوسف 16 (يوسف وملامح ختامية من القصة):

رمضان مع يوسف 16 (يوسف وملامح ختامية من القصة):
رأينا في السورة أي في قصة يوسف ملامح كثيرة تستحق التوقف أمامها وتحليلها و كثير منها ربما يفوت كثير منا أن يلاحظه ويفطن للمعنى من وراءه...
لاحظنا أن بعثة الأنبياء تأتي في أزمنة صعبة ضل فيها الناس عن طريق الحق ضلالاً يستحيل أن يتداركوه ذاتياً مما يحتم التدخل الإلهي بإرسال الرسل...و لاحظنا أن الرسول يكون خيراً على من أرسل إليهم ليس فقط في الدين بل و الدنيا...
رأينا المجتمع الذي بعث فيه يعقوب (ص) وابنه (يوسف) ...
مجتمع البداوة بقسوة طباع أهله و بصفات ذميمة مثل الغيرة و الحسد و العصبية و الكيد والمكر ...إلخ
و مجتمع الحضر الذي لم يقل سوءاً وقتها عما في مجتمع البادية...
كان مجتمع الحضر على حال من الانحراف العقائدي المبين...
كانوا يتسظهرون أنهم يعرفون شيئاً عن الله والملائكة و الحلال و الحرام حسب الوارد من ألفاظهم (استغفري لذنبك – إن هذا إلا ملك كريم ...إلخ) لكنها كانت معارف منحرفة باطلة ملوثة بالشرك و تعدد الآلهة (أرباب متفرقون) ...
كان مجتمع الحضر أيضاً على حال من الانحراف الأخلاقي...فها هي امرأة واحد من أكبر رموز الدولة (العزيز) وصويحباتها من نفس مكانتها لهن من الجرأة على المخالفة ما يتعجب له الإنسان...ها هن يراودن فتى رقيق (مملوك) عن نفسه و يدعونه للفحشاء علناً دون أن يخشين عقاباً أو لوماً من أحد...و دون أن يحسبن حساباً لرجالهن ...ناهيك عن أن يحسبن حساباً لدينهن الذي هن عليه...أي مجتمع هذا الذي يتقبل طيش المرأة و نزواتها إلى هذا الحد...؟ّ!
و ها هو قصر رأس الحكم (الملك) تخترقه الدسائس التي تهدده بالاغتيال على يد ساقيه أو طاهيه...!
و ها هي عدالة هذا المجتمع التي تلقي بالأبرياء في السجون رغم ثبوت برائتهم...!
و ها هي غفلة علمية لمجتمع يعيش على نهر متقلبة أحواله و لا يعرف كيف يواجه هذا التقلب بدراسة علمية أو حتى ملاحظة مسجلة...و لولا يوسف لهلك هذا المجتمع بالقحط بعد الرخاء...
إذن كان طبيعياً أن يكون هناك نبيان في هذا الزمان...يعقوب لأهل البادية و ابنه يوسف لأهل الحضر...
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)

لاحظنا في القصة أن الله تعالى جعل علم الابن (يوسف) فوق علم الأب (يعقوب) و بهذا نجحت خطة يوسف في استنقاذ شقيقه من براثن إخوته...(نرفع درجات من نشاء و فوق كل ذي علم عليم)...وهي ملاحظة تدلنا على أنه لا حرج في أن يكون الجيل القادم أفضل علماً من الجيل السابق...بل لعله هذا عين الخير للجميع...
لاحظنا في القصة أن الله تعالى يستخدم كيد الأشرار من البشر لمصلحة الأخيار منهم...فلا غالب لمشيئته و الكل منفذ لها و إن تصور أنه قادر على عكس المراد منها تماماً...بل ونفذه فعلاً...!
ألقى إخوة يوسف أخاهم في الجب ليتخلصوا منه بسبب غيرتهم منه فكان سبباً في تربيته دونهم في قصر العزيز...!
و ألقى أهل السلطة يوسف في السجن ليتخلصوا من فضائح نسائهم بسببه فكان سبباً في كشفها أمام الملك و في ولاية يوسف لأهم وزارة في الدولة...!
الله غالب على أمره...شاء من شاء و أبى من أبى...
لاحظنا في القصة قيمة العفو...و لعلنا تبينا أن العفو لا يملك أن يقدمه إلا القادر على العقاب...و لا يقدم إلا للمقر بالذنب...
لاحظنا أن يوسف استنقذ شقيقه من إخوته أولاً حتى يأمن مكرهم به ثم أدبهم مستغلاً حاجتهم إليه و غناه عن بضاعتهم و إنكسارهم بين يديه بجريمة السرقة التي دبرها و أثبتها هو في حق أحدهم و كل هذا يثبت له القدرة عليهم أولاً...ثم بعدها ذكرهم يوسف برقة و لطف بما فعلوه معه...وهي حكمة العتاب بالأسلوب المناسب في الوقت المناسب...ثم لما أقروا بالذنب (وإن كنا لخاطئين) أصبح باب العفو عند الكريم مفتوحاً على مصراعيه...(لا تثريب عليكم)...ثم بعد العفو يأتي كل الفرج لكل الأطراف...الإخوة يربحون أخاهم و فرصاً للم الشمل و حياة أفضل بمكان أفضل و شفاءاً للأب و استقراراً للكل...
و لعلنا في ليلة القدر نتمثل هذه المعاني ونحن ندعو بأفضل دعاء في هذه الليلة الدعاء الذي علمناه الرسول محمد (ص) و فيه طلب العفو من الله تعالى (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)...فطلب العفو من الله تعالى هو إقرار بالذنب و إقرار بقدرة الله تعالى الكاملة علينا و رجاء في قبول الله لنا و في حياة أفضل بعد عفوه عنا...حياة في الدنيا و حياة في الآخرة...
لاحظنا في القصة ملامح طبية مدهشة...
لاحظنا العلاقة بين العاطفة و حاسة الشم (إني لأجد ريح يوسف)... وهي علاقة جد ملحوظة و موثقة طبياً في زماننا هذا بين الوليد وأمه و بين الحبيب وحبيبته وغيرها...و لاحظنا ما اصطلح حديثاً على تسميته بالأمراض النفس جسمية psychosomatic diseases  فها هو يعقوب يصاب بالعمى (مرض جسدي) بسبب الحزن الشديد على فقد ابنه (عرض نفسي)...
  و لاحظنا في ختام القصة دعاءاً ليوسف و هو النبي ابن النبي يتمنى فيه أمنية يغفل عنها الكثيرون منا...
أمنية حسن الخاتمة...
يوسف يتمنى أن يتوفاه الله وهو على الإسلام...نبي من أنبياء الله تعالى يرجو الله حسن الخاتمة و الوفاة على الإسلام فكيف بنا نحن...!
ثم يوسف يدعو الله تعالى أن يلحقه بالصالحين...
يوسف بكل تواضع العبودية أمام عز الإلوهية يتحدث بأدب إلى خالقه سبحانه...لا يزكي نفسه أو يصفها بالخير و هو النبي ابن النبي...بل هو يرجو فقط إلحاقه بالصالحين...قبوله ضمن زمرة المقبولين...فما بالنا نحن من الغافلين...؟!
نسال الله تعالى و لنا ولكم حسن الخاتمة و الإلحاق بالصالحين في الدنيا و الآخرة...

وإلى لقاء...

0 comments: