Tuesday, June 30, 2015

رمضان مع يوسف 12 (يوسف و الإحسان):

 رمضان مع يوسف 12 (يوسف و الإحسان):


الحديث النبوي الشريف علمنا أن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك....
العبادة هي طاعة عبد للسيد في أوامره و نواهيه...
و ليست الطاعة كلها سواء....فالطاعة درجات و ألوان...
هناك طاعة المكره الذي لا بديل أمامه إلاها...و هي مرتبطة بقدرة السيد على العبد...
و هناك طاعة المحب الذي يخضع مختاراً تماماً لسيد لا يمارس عليه أي قهر...
و هناك طاعة أرقى منهما ...طاعة تجمعهما...
طاعة الذي لا يرى أمام ناظريه دائماً إلا سيده المحبوب فلا يشغله عن طاعته ما سواه...و في نفس الوقت يوقن أن سيده هذا قادر عليه أيما قدرة و لا يغفل عنه أبداً فلا يجرؤ أن يخالف له أمراً....
فإذا كان السيد هو الله تعالى و العبد هو ابن آدم فما ينتظر من أوامر ونواهي الله سبحانه إلا كريمالأخلاق و صالح الأعمال ...؟!
(إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي)
وما ينتظر من الإحسان في عبادة الله تعالى إلا التمسك بهذه الأوامر في كل حال يمر به العبد...؟ّ!
و هل يأمر الخالق عبده بأمر فيطيعه فيه لدرجة الإحسان إلا و يجازيه بهذا الجزاء الأوفى...؟!
إذن تعالوا نرى يوسف و إحسانه في العبادة و جزاء الله له على ذلك في الدنيا قبل الآخرة...
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)


يوسف جاء وصفه في القصة بالإحسان في خمسة مواضع...
الموضع الأول في بيت عزيز مصر الذي نشأ فيه يوسف مكرماً و أتته به بشائر النبوة فجمع بين الحكم و العلم...
و القرآن الكريم يذكر لنا أن هذا الجمع بين الحكم و العلم جاء جزاءاً لاتصاف يوسف بالإحسان...و كأن يوسف عاش في بيت العزيز منذ أن دخله غلاماً رقيقاً و لمدة سنين طويلة قبل بعثته بالخلق الكريم و العمل الصالح الذي استحق عليه هذه المكافأة الألهية ....
الموضع الثاني كان في السجن و هو ظرف مختلف تماماً عن ظرف حياة يوسف السابقة في بيت العزيز... و الذي نعت يوسف بالإحسان كانا هما الفتيان السجينان...و مؤكد أن الفتيين لم يصفا يوسف بهذا الوصف إلا لما رايا منه ما يدل عليه...وكأن يوسف استمر على كريم خلقه و صالح عمله رغم انتقاله من القصر على السجن...و هذا يدل على أنها صفات أصيلة في تركيبته التي خلقه الله عليها و ليست نتيجة تربية بشرية و لا إدعاء كاذب يتملق به يوسف من حوله في قصر العزيز...
الموضع الثالث كان في قصر الملك حين تأكد الملك من كريم خلق يوسف و صالح عمله و كفاءته فكلفه بمنصب وزير الخزانة و بصلاحيات كبيرة تؤهله لتطبيق خطته لحماية البلاد من سنين الجفاف المتوقعة...وذكر القرآن الكريم أن هذا دليل على أن رحمة الله تعالى لا يقدر مخلوق على منعها عن غيره...و أن الثواب جاهز باستمرار لكل من حسن خلقه و صلح عمله...
الموضع الرابع كان في مكان توزيع الميرة على الناس ساعة أن احتال يوسف ليأخذ أخاه الشقيق في معيته بمصر بعد أن احتال لإثبات السرقة عليه فكان الرجاء من إخوته أن يستبدله بأحدهم مراعاة لمشاعر أبيهم وصرحوا بأنهم يتوقعون من يوسف الاستجابة لهذا العذر لأنهم رأوه من المحسنين...
كأنهم يقولون له إننا تعاملنا معك غير مرة فاقتنعنا بكريم خلقك و صالح عملك إذ أكرمت نزلنا و وفيت لنا الكيل و لم تصادر بضاعتنا و احترمت قانوننا و عدلت في تحقيقك لما اتهمتنا بالسرقة....إذن أنت من المحسنين...و بالتالي فإننا نتوقع منك خلقاً كريماً آخر هو مراعاة مشاعر الأب الشيخ الكبير الذي سيحزن على فقد ولده الأقرب لقلبه...
الموضع الخامس كان في نفس مكان توزيع الميرة حين دخل إخوة يوسف عليه منكسرين بالحاجة للميرة و بعدم القدرة على مقايضتها ببضاعة لا ترد وبثبوت السرقة سابقاً في حق واحد منهم...فتلطفوا قهراً ليوسف في الحديث إلى حد أن طلبوا منه الصدقة...
وهنا أحس يوسف أن الفرصة مواتية كي يثوب إخوته لرشدهم و يعترفوا بذنبهم و يتوبوا إلى الله منه فأعلمهم بحقيقة الأمر وكشف لهم عن شخصيته الحقيقية و بين لهم فضل الله عليه الذي أصابه رغم مكرهم به ليكون هذا أوقع في نفوسهم الكسيرة بين يديه...
وبين لنا القرآن أن هذا الموقف المنتصر...موقف العزة ليوسف أمام من اضطهدوه وآذوه هو جزاء على الصبر و الاستمرار على الخلق الكريم و العمل الصالح ...استمراره في التقوى...استمراره في الطاعة...
إذن فيوسف كان عبداً مخلصاً لله تعالى كريماً في خلقه صالحاً في عمله متقياً لله و صابراً على هذا النمط في كل ظرف مر به من ظروف الحياة التي تقاذفته ما بين البدو و الحضر و القصر و السجن و الرق و الحكم و الاضطهاد و التمكين...
يوسف كان تقياً في كل حال...
يوسف كان من المحسنين...
و لا زال لنا خواطر مع قصة يوسف...

تابعونا...

Sunday, June 28, 2015

رمضان مع يوسف 11 (يوسف و الشيطان)...

رمضان مع يوسف 11 (يوسف و الشيطان)...

بداية إبليس (لعنه الله) كانت طيبة جداً فهو كان من الجن الطائع المتعبد حتى صار أقرب إلى الملائكية ...لكنه لم يثبت للفتنة...
و لم يثب إلى جادة الصواب بعد إذ ضل عنها...بل عاند و أصر على معصيته و دافع عنها...بل قرر أن يكون المحفز عن أي معصية و عن كل معصية...!
الجن خلق مخير بين الطاعة والمعصية...مثلهم في هذا مثل بني آدم...
و ما أسهل أن يعيش الخالق في جنة بلا تعب و لا نصب و بلا اختبار أو امتحان فتكون الطاعة شبه آلية و العبادة مجرد جزء من روتين الحياة ....هكذا مر القسم الأول من حياة إبليس...
و ما أصعب أن يمر الخلق باختبار كاشف لما خلف الصورة الظاهرة من خفايا النفس و حقيقة الذات...و هنا يسقط من يسقط و يرتقي من يرتقي...و هنا سقط إبليس...
كان الاختبار في طاعة مخلوق جديد...هو الإنسان...آدم أبو البشر...
ويبدو أن خلق الإنسان من طين كان أمراَ غير مستساغ حتى للملائكة إذ توقعوا منه و من ذريته الفساد في الأرض و إهلاك الحرث و النسل...
و يبدو أن هذا أغرى إبليس بأن ينبري هو الآخر في الموقف نفسه لكن من زاوية أخرى...زاوية الكفر بالله تعالى.... إذ نسب إلى الله عدم الحكمة...فرفض السجود لآدم مبرراً سلوكه هذا بأن المسألة لا تصح ابتداءا ذلك أنه أفضل من آدم كونه خلق من نار و آدم خلق من طين...!
كانت وجهة نظر الملائكة الذين كان يبدو إبليس و كأنه أحدهم لفرط طاعته هي أن آدم معرض بحكم تكوينه لأن يصدر عنه معاصي...معاصي خطيرة...فلما أطلعهم الله على ما زود به آدم من علم...تراجعوا عن وجهة نظرهم و أقروا بأن علم الله أهم مما يتوقعون...ولما تم خلق آدم وأمروا بالسجود له امتثلوا...
وهنا شذ إبليس عن الصف الملائكي و أبى السجود لآدم و استكبر و ادعى منطقاً للمعصية بدل أن يطلب التوبة عنها ثم عاند و أصر عليها حتى أنه تعهد بنشرها إلى يوم الدين و بدل أن يطلب التوبة طلب الخلود في الدنيا...! فخلع الله عنه لباس ارحمة و أصبح ملعوناً...
أصبح إبليس فتنة لآدم و بنيه في حكمة ربانية قضت أن يفتن الخلق بعضهم بعضاً حتى يميز الخبيث من الطيب بناء على تجربة عملية مشهودة من الكل...
إبليس سار في طريقه و كل هدفه أن يؤذي آدم و بني آدم....و أي إيذاء أشد من الوقوع في المعاصي التي تؤدي للوقوع في النار...؟!
و ظهر إبليس في قصة يوسف...
ظهر مرتين بمنتهى الوضوح...
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)

المرة الأولى عندما استطاع أن يستغل غيرة إخوة يوسف منه فدخل إليهم من هذا الباب وهل يدخل إبليس لبني آدم إلا من نقاط ضعفهم حباً أو كرهاً...؟!
جالس إبليس إخوة يوسف و كعادته يظهر بصورة الناصح الأمين الذي يقدم المعصية كحل لمشكلة أو كسلم إلى نيل الأطماع...!
إذا كان يوسف هو الحجاب الذي يحول بينكم وبين حب و اهتمام أبيكم فلم لا ترفعوه ؟ لماذا لا تتخلصون منه ؟ صحيح أن القتل كبيرة خطيرة لكن مرة واحدة لا تضر...افعلوها ثم توبوا وكونوا صالحين...!
و لحسن حظ إخوة يوسف أنهم رفضوا فكرة القتل لكنهم قبلوا مبدأ التخلص من يوسف باسلوب أخف هو إلقاءه في الجب...
و نجح إبليس في النزغ بين يوسف و إخوته لدرجة أسقطتهم في معصية الكذب على الأب يعقوب و إيذاء الأخ يوسف إيذاءا أوقعه في الرق و عرضه للخطر سنين طويلة...
المرة الثانية التي أطل فيها إبليس برأسه اللعين في قصة يوسف كانت في السجن...
لما أول يوسف الرؤيا لصاحبيه في السجن و علم أن ساقي الملك سيخرج مبرأ و يعود لممارسة عمله مرة أخرى بالقرب من الملك
رأى يوسف في الأمر فرصة طيبة لرفع مظلمته إلى ولي الأمر عساه يعدل معه ويخرجه من السجن ظلماً...فطلب من الساقي أن يرفع أمره بين يدي الملك...
و بالفعل كانت الفرصة طيبة ...لكن هل لإبليس أن يتركها ليوسف فينجو بها من المكائد المتتالية التي أضرت به بداية من إخوته إلى امرأة العزيز إلى السجن...؟!
بالطبع لا...
وتدخل إبليس عند الساقي فشغل عقله عن تذكر قصة يوسف كلما كان بين يدي الملك...و ضاعت الفرصة أوتأخرت إلى حين بلغ بضع سنين...! حتى أذن الله أن يتذكر الساقي يوسف في الوقت المناسب و كان ما كان...
و الشاهد هنا أن عداوة إبليس لآدم و بنيه أمر مستمر منذ بدء الخلق و إلى يوم القيامة...
وأنه حتى الأنبياء يتعرضون لكيد إبليس...
و أن أحد أهم مداخل إبليس على عقل ابن آدم هو باب الهوى أو العاطفة...عاطفة الحب الشديد أو الكره الشديد...
و أن إبليس قادر على العبث بذاكرة عقل ابن آدم بطريقة أو بأخرى...
و أن إبليس دائماً يقدم المعصية حلاً أو أملاً...
وأن إبليس حريص على إضاعة فرص الخير لابن آدم أوعلى الأقل تأخيرها...
و الشاهد هنا أيضاً من قصة يوسف...
أن إبليس يفشل حتى لو تصور أنه أفلح...!
و يزداد حسرة و خيبة حين يرى أن مكره كان خادماً لابن آدم الذي كتب الله له الخير و غلب أمره كل أمر سواه...
و الشاهد هنا أيضاً من قصة يوسف...
أن علينا أن نفيد من الدرس لأنه دائم التكرار...
و الله أعلم...
ولازلنا مع خواطرنا حول قصة يوسف...

تابعونا...

Saturday, June 27, 2015

رمضان مع يوسف 10 (يوسف و النبوة)...

رمضان مع يوسف 10 (يوسف و النبوة)...


النبوة هي إبلاغ رسالة السماء للأرض...
و بلغة تقنية الاتصالات المعاصرة فإن هناك مرسل (الخالق سبحانه) و رسالة (موضوع الدعوة النبوية) و مرسل إليه أو إليهم (سكان الأرض في زمان أومكان معين أو جميع ذلك) و وسط تنتقل من خلاله الرسالة من المرسل إلى المرسل إليه أو إليهم والعكس (رسول)...
الخالق سبحانه خلق آدم أبا البشر و خلق منه حواء أمهم و خلق منهما سائر الخلق و كلف آدم و ذريته بعمارة الأرض على منهج إيماني واضح...
فتنة البشر وقعت من أول أبيهم آدم كما في قصة الشجرة المعروفة في الجنة...ثم تكررت بعدها في بنيه لما بعدت المسافة الزمانية أو المكانية بينهم و بين تجربة أبيهم آدم...
و مع الفتنة تأتي الرحمة الإلهية لتنقذ البشر من ضعفهم و تصلح من انحرافهم...
تأتي في صورة رسالة تجدد للبشر الدلالة على الطريق الصحيح...
آدم تلقى رسالة ربه فتاب و تاب الله عليه...
و من بعده كلما بعد بعض من بنيه عن الطريق المستقيم تتجدد الرسالة إليهم...
هي هي ذات الفتنة التي يقع فيها البشر من لدن آدم إلى اليوم...الحلم بالملك و بالخلود و بصفات لا تليق بطبيعة خلقهم....
إبليس أقسم لآدم أن الشجرة المحرمة هي عينها شجرة الخلد و الملك الذي لا يبلى وأنه إن أكل منها صار ملكاً من الملائكة أو خلد في الجنة...
و لا زال الأبالسة إلى اليوم يزينون للناس كل جريمة على اعتبار أنها السبيل للأمان المادي والاستقرار الاقتصادي و السلطة و الجمال البدني أو الكمال الجسدي و....إلخ
لا زلنا نرى من يغوي الناس بالانحراف طلباً للمال أو وصولية لكرسي السلطة ...
لا زلنا نرى من يغوي العجوز بالرجوع صبية و الشيخ الفاني باكتساب لياقة شاب يافع بالتطبب الكاذب و الدجل الممنهج...
لا زلنا نرى من يقنع الناس أن المحرمات هي السبيل الوحيد للقوة السرية الغامضة و لعالم خفي من القوة و الجمال و الكمال...
و للأسف لا زال البشر من بني آدم يقعون في نفس الخطأ....!
و للأسف لا يتعلمون (إن تعلموا) الدرس إلا بعد فوات الأوان...و الانتقال من حال إلى حال أقل...
و تتجدد الرسالة...
هي ذات الرسالة التي أبلغت لآدم...
التوبة...
وعناصرها الاعتراف بالخطأ و ترك طريق الباطل و العودة إلى طريق الحق...ثم البدأ في فرصة جديدة تختبر فيها كفاءة هذه التوبة...
من بعد آدم كثر بنيه عدداً وساحوا في كل الأرض و عاشوا في بيئات مختلفة و تنوعت انحرافاتهم بتنوع طرق الغواية لهم ومرت عليهم السنون و الحقب...و بالتالي كان يجب أن تتكرر الرسالة و أن يحملها أكثر من رسول...BEGIN JUMIA --> EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)



المؤكد أن اختيار الشخص الذي سيكلف بحمل الرسالة إلى البشر في زمان تجدد الرسالة سيكون مختلفاً عنهم...ذلك أنه لوكان مثلهم تماماً لما كان جديراً بأمرهم بترك ما هم عليه...!
و المؤكد أنه سيكون أيضاً مشابهاً لهم...إذ لوكان مخالفاً لهم في كل شيء لما عرفوه أو وثقوا به أو ربما ما فهموه ابتداءاً...!
إذن عملية الاختيار أو الاصطفاء أو الاجتباء هذه عملية صعبة و دقيقة و مهمة لا يمكن أن توكل لبشر أو أن تكون آلية أو وراثية...
اصطفاء الرسل و الأنبياء عملية إلهية...الله يختار من خلقه من يشاء ليكلفه بالرسالة...
إذن النبوة اصطفاء إلهي...
لا توريث فيها و لا وساطة لنيلها ولا تخضع لمقومات الدنيا ولا حساباتها...
رأينا في قصة يوسف أن اختيار المولى سبحانه وقع على يوسف من بين ثلاثة عشر ولد ليعقوب...
لم يكن يوسف أكبرهم سناً و لا كان هووشقيقه أكثر عدداً من غير الأشقاء...
لكن الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته...
والنبي في قومه يجب أن يكون منهم يعني من جنسهم و عشيرتهم حتى لا ينسب علمه المخالفة التي جاء منها إن كان مخالفاً لهم ...
و يجب أن يكون من نسب شريف في قومه حتى لا يطعن على دعواه بالتشكيك في أصله...
و يجب أن يكون ذا خلق كريم و صدق معلوم و أمانة مشهود بها...
ويجب أن يكون ذا عقل راجح و تدبير حكيم...
و رأينا في قصة يوسف نسبه لآباء من الأنبياء (يعقوب و إسحق و إبراهيم) و نشأة في بيئة البدو التي جاء منها حكام مصر في زمانه (الهكسوس) و الذين سينتقل للعيش بينهم كما في القصة...و رأينا في يوسف العفة و التنزه عن الخيانة و رأينا الصدق و الصبر و الإحسان في الشدة و العفو عند المقدرة و غيرها من كريم الصفات... و رأينا يوسف في القصة يستخلص أخاه من أيدي إخوته الذين آذوه بذكاء و حيلة...و رأيناه يدير خزائن الدولة المصرية بعلم و اقتدار...
النبوة يكون لها مقدمات هامة لإعداد قلب و عقل النبي المختار لمشقة النبوة...
من هذه المقدمات الرؤيا الصادقة...يعني الأحلام التي تتحقق في الواقع تماماً كما وردت بالحلم...
ورأينا أن يوسف قد مر بهذا فعلاً...
و النبوة يكون لها آيات معجزة مصدقة لمن يدعيها...
والآيات يجب أن تكون معجزة لمعاصريها يعني أعلى من أعلى شيء برعوا فيه...أو حلاً وحيداً لمشكلة الساعة عندهم لا يملكه إلا النبي المرسل وحده...وبالطبع يجب أن تكون اختراقاً للغيب في كل الأحوال...اختراقاً يستحيل على المعاصرين أن يأتوا بمثله...
ورأينا يوسف و علم تأويل الأحلام و الإخبار بالغيب...
و النبوة لها رسالة ومغزى و معنى...
أول أهداف أي رسالة هو العودة بالبشر المرسل إليهم للمسار الصحيح مع الله...مسار العقيدة الصحيحة...التوحيد...
ثم يأتي بعد هذا ما يحفظ النفس و المال و العرض من تشريعات...
و رأينا يوسف في القصة يدعو صاحبيه في السجن للتوحيد و الإيمان بالآخرة و يدلهم على الدين القيم...
و رأينا يوسف في القصة ينقذ سكان مصر بأكملها من القحط و المجاعة بفضل تعيلم الله له تأويل رؤيا الملك...
و النبوة تكليف من الله تعالى ...و الله لا يكلف عبداً بأمر ثم يخذله أو يضيعه...حاشا لله...فرغم ما يقاسيه الأنبياء من مصاعب في تحويل الانحراف البشري إلى الاستقامة إلا أن الأمر ينتهي بنصر الله لهم...
ورأينا يوسف في القصة يتعرض لأذى كثيراً بداية من طفولته...و مع هذا ينتصر في نهاية القصة و يكون له حظ من الملك و العلم و التقدير...و يكون هو سبب الخير ليس فقط لنفسه بل حتى لمن آذوه...!
  و خلصنا إذن إلى أن النبوة اصطفاء إلهي و لا شيء مع هذا أبداً...
وأنها لا تكون إلا فيمن يستحقها فعلاً...
وأن هدفها هو رد البشر إلى مسار العقيدة الصحيحة و حفظ أرواحهم و أعراضهم و ممتلكاتهم بل وتنميتها...
وأنها رغم المصاعب و الابتلاءات حتماً تنتصر نصراً دنيوياً لأن هذا هو المطلوب لتحقيق الرسالة ...
و لا زال لنا مع قصة يوسف خواطر تترى...

تابعونا...

رمضان مع يوسف 9 (يوسف والصبر)...

رمضان مع يوسف 9 (يوسف والصبر)...

أحد أهم أهداف و مرامي القصص عموماً و القصص القرآني خصوصاً هو المواساة و التأسي بالعبرة من أحداث القصة و أبطالها...
و رأينا في قصة يوسف مواقف كثيرة من هذا النوع...
راينا الصبر و هو كما علمنا الرسول محمد (ص) نصف الإيمان...
و علمنا رسول الله (ص) أن رمضان هوشهر الصبر...
والصبر ببساطة هو الامتناع عن رد الفعل...
يعني قدرة النفس على مخالفة قانون هام جداً من قوانين الطبيعة مفاده أن (لكل فعل رد فعل) ...قانون صحيح في الماديات و صحيح أيضاً في المعنويات...ولذا كانت القدرة على مخالفته بالصبر أمراً مجهداً للنفس يستلزم يقيناً بأن ترك الحبل على الغارب لهذا القانون أمر لا تحمد عقباه و أن مخالفة هذا القانون أمر محمود...
و لما كانت أفعال الحياة كثيرة كانت ردود الأفعال لها أيضاً كثيرة وكان الصبر الذي هو مقاومة و منع هذه الردود أيضاً أنواعاً كثيرة...
فأول الصبر هو الامتناع عن آلية رد الفعل بشكل عام...بحيث أن الإنسان يضع اختياره الخاص فوق ما جبل عليه الناس جميعاً...
ثم ينحو الصبر مناحي مختلفة بعد ذلك...
فقد يصبر الإنسان على ما يحب...و قد يصبر على ما يكره...
رأينا يعقوب صابراً...
صابراً على ابتلاءه بالشقاق بين أبناءه...فأحد عشر أخاً يتحركون طوال القصة كأنهم شخص واحد لكن للأسف شخص واحد ضد أخويه الغير شقيقين...
كان باستطاعة يعقوب و كرد فعل لإيذاء إخوة يوسف له و لشقيقه أن يعاقبهم لكنه آثر الصبر...
ثم لما تكرر الأمر و فقد يعقوب ابنه شقيق يوسف لما سمح له بالخروج معهم تكرر من يعقوب الصبر (فصبر جميل)...
ثم لما فقد يعقوب بصره و أصبح رهين أبناءه الذين لا يأتمنهم على إخوتهم الغير أشقاء و الذين يظنون به ظناً سيئاً كان باستطاعته أن يدعو الله بعاجل الشفاء أو بعقاب الأبناء كما نرى كثيراً من الناس يفعلون....لكنه آثر الصبر...
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)

و رأينا يوسف صابراً...
صابراً على إيذاء إخوته له وهو صغير...كان باستطاعته مثلاً أن يرد لهم الكيد بإن يثير حفيظة الأب ضدهم و يحرضه على عقابهم...لكنه آثر الصبر...
و لما ألقوه في الجب كان باستطاعته أن يصخب و يسب و يلعن مثلاً...لكنه آثر الصبر...
و لما عرضت امرأة العزيز نفسها عليه كان باستطاعته أن يهتبل الفرصة ويرضي شهوته بل ربما اتخذ من علاقة محرمة كهذه سبيلاً للترقي في خدمة العزيز كما نشاهد في زماننا ونسمع...لكنه آثر الصبر...
و لما استمرت امرأة العزيز في غوايتها و أيدها النسوة في المدينة و رأينا موقف العزيز المتخاذل كان باستطاعة يوسف أن يهتبل الفرصة مرة أخرى و لو من باب إنقاذ نفسه من السجن...لكنه آثر السجن ....لكنه آثر الصبر...
و لما دخل يوسف السجن كان باستطاعته أن يتعلم من السجناء ما فيهم من شر و ما مارسوه من مكر و كيد كما نسمع في زماننا هذا عن أحوال السجون ونزلائها بدل أن يكون قدوة أخلاقية لهم و داعية للتوحيد بينهم...لكنه آثر الصبر...
و لما عهد يوسف لصاحبه السجين الناجي و الذي عاد لعمله ساقياً للملك بأن يرفع مظلمته عند الملك و نسي الساقي هذا ثم عاد ليوسف بعد بضع سنين سائلاً عن تأويل رؤيا الملك كان باستطاعة يوسف أن يلمه على هذا النسيان أو أن يطلب مقابلاً لهذا التأويل أو حتى أن يعيد تذكير الساقي برفع المظلمة إلى الملك....لكنه فسر الرؤيا و زاد عليها علاج ما ورد بالتفسير من أزمات و لم يفعل شيئاً آخر...مرة أخرى يؤثر يوسف الصبر...
و لما مثلت امرأة العزيز و النسوة في المدينة بين يدي الملك و اعترفن بكيدهن الذي أضر بيوسف لم يطلب يوسف لهن عقاباً و لا انتقم منهن و لو بكلمات يستحقونها و لم يطلب لنفسه تعويضاً عما أصابه ...يوسف آثر الصبر...
و لما ولي يوسف منصباً كبيراً في الدولة و جاءه إخوته الذين آذوه سابقاً محتاجين كان باستطاعته أن يعرفهم بنفسه أول الأمر و أن ينزل بهم ما شاء من عقاب أو انتقام أو أن يمنع عنهم الميرة أوأن يصادر بضاعتهم التي جاءوا بها إلى مصر و أن يجبرهم على إحضار أخيه الشقيق له إجباراً قاهراً دون الحاجة لحيلة و لا كيد...لكنه آثر الصبر...
و لما احتال يوسف كي يستبقي شقيقه معه في مصر مدعياً في حقه السرقة و قال إخوته إن شقيقه شابهه في السرقة استناداً لقصة قديمة ادعت فيها عمته أنه سرقها لتستبقيه معها حباً فيه كان باستطاعة يوسف أن يرد إخوته لأصل القصة الحقيقية التي من المؤكد أنها تكشفت لهم و أنهم يعرفونها و كان باستطاعته أن يعاقبهم بعقاب آخر بحكم سلطانه ....لكنه آثر الصبر...
و لما انكسرت شوكة إخوته بين يديه و أقروا بأخطائهم في حقه كان باستطاعته أن يوبخهم و يعنفهم أو حتى يؤجل قبوله لاعتذارهم أو يعلق هذا القبول على شروط يراها ضامنة لتأديبهم...لكنه آثر الصبر...
و لما مثل الجميع بين يديه و سجدوا له تصديقاً لرؤياه و هو غلام كان باستطاعة يوسف أن يستعرض فضل الله عليه بطريقة يذكر فيها إخوته بإساءتهم له بدل أن يتحدث عن نزغ الشيطان...لكنه آثر الصبر...
رأينا في قصة يوسف صبراً من النوع (الجميل)...
صبر بلا تاريخ صلاحية...
صبر بلا يأس من النهاية...
صبر بلا تذمر...
صبر بلا منة...
صبر بلا انتظار للثمن...
صبر بلا ضغائن و لا انتقام...
صبر يصاحبه استمرار في العمل الصالح و القول الصالح...
صبر مع الأخذ بأسباب الفرج و البحث عن المخرج من الضيق...
صبر  فعلاً جميل...
رأينا في قصة يوسف نماذج مشرقة  للصبر سواء على ما يحبه البشرمن شهوة و سلطة و غنى...أوعلى ما يكرهه البشر من علة و حاجة و فقر و إيذاء...
و لعلنا أيضاً نكون قد رأينا في القصة عاقبة الصبر الجميل...
رأينا يعقوب و قد انتهت القصة بالتآلف من جديد بين بنيه...و بانتقالهم من البدو للحضر...و بأن يكون أحد أبناءه نبياً ...و بأن يكون أحد أبناءه أهم وزير لأكبر دولة في زمانه...و بأن يرد إليه بصره بعد العمى...
رأينا يوسف و قد انتهت مواقف القصة بالخلاص من إيذاء إخوته ثم من مراودة امرأة العزيز والنسوة في المدينة و بصلاح العلاقة بينه و بين إخوته و بتأديبهم واعتذارهم له...و ببراءة ساحته من كل تهمة كاذبة ....و بخروجه من السجن و بالتقدير اللائق لأخلاقه و لعلمه  ....و بالتمكين له في أهم منصب بأهم دولة في زمانه...و بجمع شمله بشقيقه و أمه و أبيه و إخوته وأهلهم جميعاً...
و لا زال لنا مع قصة يوسف خواطر أخرى...

تابعونا...

Thursday, June 25, 2015

كنا اسعد ...كنا اصغر...!

لماذا كنا اسعد عندما كنا اصغر...؟!
الانفعال بالاشياء او الاحساس الذي نربطه بها داخل عقولنا بشكل عام هو قرار فردي او شخصي من حيث الكيف (النوع) و من حيث الكم (الدرجة) يتخذه كل عقل منفردا بناءا على حساباته الخاصة ...
ليس بالضروري ان تكون استجابة كل الناس كل الوقت لنفس المؤثر واحدة في الكيف و لا في الكم...
نزول المطر (مثلا) قد يكون لبعض الناس مشهد رومانسي و لغيرهم مشهد اقتصادي و لفئة ثالثة ازمة كبيرة....!
نزول المطر في يوم لا تحتاج فيه الخروج من البيت قد تعتبره فرصة للاستمتاع بالدفء و تفقد سلوك الاخرين من خلف النافذة مثلا...بينما انت نفسك لو اضطررت للخروج من بيتك هذا اليوم لاعتبرته مشكلة كبيرة تحتاج خطط عظيمة لمجابهتها...!
في صغرنا تكون مساحة المعرفة في عقولنا اقل (بكثير) من مساحة الخيال و لذا نتقبل اشياء تبدو للكبار ساذجة او مستحيلة ككلام الحيوانات و الجمادات مثلا...
و لذا ايضا نسبح كصغار كثيرا (جدا) في بحر من احلام يقظتنا و نعطي للاشخاص و الاشياء ما نشاء من صفات و اشكال و سلوك نفترضه نحن و نتحكم فيه تماما كما يعجبنا و نلون هذا العالم الافتراضي المرضي جدا لنا بالواننا الخاصة...
و هل السعادة الا ان تتقبل الواقع و تتحكم فيه و كذا المستقبل كيفما شئت...و دون ان يكون للماضي وجود اصلا...؟!
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)

اذن كلما اتسع خيالك زادت سعادتك...
و كلما قلت معرفتك زادت سعادتك...
و الامر مشاهد ليس فقط عند الصغار او الاطفال و الشباب...بل ايضا عند بسطاء الناس اصحاب التعليم المحدود و الاعمال البسيطة...
تجدهم يفرحون و يمرحون من اقل الاشياء و يحتفلون و يصخبون طربا بابسط النعم ....
و اذا كان في الامر مجال للنصح فان النصيحة ان تستعيد الصفات التي جعلتك قديما (او صغيرا) تحس بالسعادة او تحس بها اكثر مما انت الان ...
انطلق في خيالك بلا اي حدود او قيود من اي نوع....
اصنع و لو للحظات عالمك كما تحبه ان يكون...
ارسم صورته و انحت شخصياته...بدل و غير...ابدع و ابتكر...
لا تهتم بان يكون هذا ممكنا او عمليا...فقط اهتم بان يكون ممتعا و جميلا بالنسبة لك...
ضع معارفك و علومك مهما كانت في حجمها الحقيقي بالنسبة لما في الدنيا من معارف و علوم...
قل لنفسك الحقيقة و هي انك لا زلت صغيرا و لا تعلم و لا تعرف اشياء كثيرة...
و ان الخير قد يكون في احدها...تلك الاشياء المجهولة او الافتراضية...و ثق انه فعلا كذلك...
و ستستمتع و تدرك السعادة التي تبحث عنها....
و ياللعجب فستصل ايضا و ربما في نفس الوقت لحلول واقعية و بسيطة لمشكلات و ازمات كنت تتصورها مؤلمة او مزمنة بلا حل...!
جرب...
و اتمنى لك....
#السعادة