Saturday, June 27, 2015

رمضان مع يوسف 10 (يوسف و النبوة)...

رمضان مع يوسف 10 (يوسف و النبوة)...


النبوة هي إبلاغ رسالة السماء للأرض...
و بلغة تقنية الاتصالات المعاصرة فإن هناك مرسل (الخالق سبحانه) و رسالة (موضوع الدعوة النبوية) و مرسل إليه أو إليهم (سكان الأرض في زمان أومكان معين أو جميع ذلك) و وسط تنتقل من خلاله الرسالة من المرسل إلى المرسل إليه أو إليهم والعكس (رسول)...
الخالق سبحانه خلق آدم أبا البشر و خلق منه حواء أمهم و خلق منهما سائر الخلق و كلف آدم و ذريته بعمارة الأرض على منهج إيماني واضح...
فتنة البشر وقعت من أول أبيهم آدم كما في قصة الشجرة المعروفة في الجنة...ثم تكررت بعدها في بنيه لما بعدت المسافة الزمانية أو المكانية بينهم و بين تجربة أبيهم آدم...
و مع الفتنة تأتي الرحمة الإلهية لتنقذ البشر من ضعفهم و تصلح من انحرافهم...
تأتي في صورة رسالة تجدد للبشر الدلالة على الطريق الصحيح...
آدم تلقى رسالة ربه فتاب و تاب الله عليه...
و من بعده كلما بعد بعض من بنيه عن الطريق المستقيم تتجدد الرسالة إليهم...
هي هي ذات الفتنة التي يقع فيها البشر من لدن آدم إلى اليوم...الحلم بالملك و بالخلود و بصفات لا تليق بطبيعة خلقهم....
إبليس أقسم لآدم أن الشجرة المحرمة هي عينها شجرة الخلد و الملك الذي لا يبلى وأنه إن أكل منها صار ملكاً من الملائكة أو خلد في الجنة...
و لا زال الأبالسة إلى اليوم يزينون للناس كل جريمة على اعتبار أنها السبيل للأمان المادي والاستقرار الاقتصادي و السلطة و الجمال البدني أو الكمال الجسدي و....إلخ
لا زلنا نرى من يغوي الناس بالانحراف طلباً للمال أو وصولية لكرسي السلطة ...
لا زلنا نرى من يغوي العجوز بالرجوع صبية و الشيخ الفاني باكتساب لياقة شاب يافع بالتطبب الكاذب و الدجل الممنهج...
لا زلنا نرى من يقنع الناس أن المحرمات هي السبيل الوحيد للقوة السرية الغامضة و لعالم خفي من القوة و الجمال و الكمال...
و للأسف لا زال البشر من بني آدم يقعون في نفس الخطأ....!
و للأسف لا يتعلمون (إن تعلموا) الدرس إلا بعد فوات الأوان...و الانتقال من حال إلى حال أقل...
و تتجدد الرسالة...
هي ذات الرسالة التي أبلغت لآدم...
التوبة...
وعناصرها الاعتراف بالخطأ و ترك طريق الباطل و العودة إلى طريق الحق...ثم البدأ في فرصة جديدة تختبر فيها كفاءة هذه التوبة...
من بعد آدم كثر بنيه عدداً وساحوا في كل الأرض و عاشوا في بيئات مختلفة و تنوعت انحرافاتهم بتنوع طرق الغواية لهم ومرت عليهم السنون و الحقب...و بالتالي كان يجب أن تتكرر الرسالة و أن يحملها أكثر من رسول...BEGIN JUMIA --> EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)



المؤكد أن اختيار الشخص الذي سيكلف بحمل الرسالة إلى البشر في زمان تجدد الرسالة سيكون مختلفاً عنهم...ذلك أنه لوكان مثلهم تماماً لما كان جديراً بأمرهم بترك ما هم عليه...!
و المؤكد أنه سيكون أيضاً مشابهاً لهم...إذ لوكان مخالفاً لهم في كل شيء لما عرفوه أو وثقوا به أو ربما ما فهموه ابتداءاً...!
إذن عملية الاختيار أو الاصطفاء أو الاجتباء هذه عملية صعبة و دقيقة و مهمة لا يمكن أن توكل لبشر أو أن تكون آلية أو وراثية...
اصطفاء الرسل و الأنبياء عملية إلهية...الله يختار من خلقه من يشاء ليكلفه بالرسالة...
إذن النبوة اصطفاء إلهي...
لا توريث فيها و لا وساطة لنيلها ولا تخضع لمقومات الدنيا ولا حساباتها...
رأينا في قصة يوسف أن اختيار المولى سبحانه وقع على يوسف من بين ثلاثة عشر ولد ليعقوب...
لم يكن يوسف أكبرهم سناً و لا كان هووشقيقه أكثر عدداً من غير الأشقاء...
لكن الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته...
والنبي في قومه يجب أن يكون منهم يعني من جنسهم و عشيرتهم حتى لا ينسب علمه المخالفة التي جاء منها إن كان مخالفاً لهم ...
و يجب أن يكون من نسب شريف في قومه حتى لا يطعن على دعواه بالتشكيك في أصله...
و يجب أن يكون ذا خلق كريم و صدق معلوم و أمانة مشهود بها...
ويجب أن يكون ذا عقل راجح و تدبير حكيم...
و رأينا في قصة يوسف نسبه لآباء من الأنبياء (يعقوب و إسحق و إبراهيم) و نشأة في بيئة البدو التي جاء منها حكام مصر في زمانه (الهكسوس) و الذين سينتقل للعيش بينهم كما في القصة...و رأينا في يوسف العفة و التنزه عن الخيانة و رأينا الصدق و الصبر و الإحسان في الشدة و العفو عند المقدرة و غيرها من كريم الصفات... و رأينا يوسف في القصة يستخلص أخاه من أيدي إخوته الذين آذوه بذكاء و حيلة...و رأيناه يدير خزائن الدولة المصرية بعلم و اقتدار...
النبوة يكون لها مقدمات هامة لإعداد قلب و عقل النبي المختار لمشقة النبوة...
من هذه المقدمات الرؤيا الصادقة...يعني الأحلام التي تتحقق في الواقع تماماً كما وردت بالحلم...
ورأينا أن يوسف قد مر بهذا فعلاً...
و النبوة يكون لها آيات معجزة مصدقة لمن يدعيها...
والآيات يجب أن تكون معجزة لمعاصريها يعني أعلى من أعلى شيء برعوا فيه...أو حلاً وحيداً لمشكلة الساعة عندهم لا يملكه إلا النبي المرسل وحده...وبالطبع يجب أن تكون اختراقاً للغيب في كل الأحوال...اختراقاً يستحيل على المعاصرين أن يأتوا بمثله...
ورأينا يوسف و علم تأويل الأحلام و الإخبار بالغيب...
و النبوة لها رسالة ومغزى و معنى...
أول أهداف أي رسالة هو العودة بالبشر المرسل إليهم للمسار الصحيح مع الله...مسار العقيدة الصحيحة...التوحيد...
ثم يأتي بعد هذا ما يحفظ النفس و المال و العرض من تشريعات...
و رأينا يوسف في القصة يدعو صاحبيه في السجن للتوحيد و الإيمان بالآخرة و يدلهم على الدين القيم...
و رأينا يوسف في القصة ينقذ سكان مصر بأكملها من القحط و المجاعة بفضل تعيلم الله له تأويل رؤيا الملك...
و النبوة تكليف من الله تعالى ...و الله لا يكلف عبداً بأمر ثم يخذله أو يضيعه...حاشا لله...فرغم ما يقاسيه الأنبياء من مصاعب في تحويل الانحراف البشري إلى الاستقامة إلا أن الأمر ينتهي بنصر الله لهم...
ورأينا يوسف في القصة يتعرض لأذى كثيراً بداية من طفولته...و مع هذا ينتصر في نهاية القصة و يكون له حظ من الملك و العلم و التقدير...و يكون هو سبب الخير ليس فقط لنفسه بل حتى لمن آذوه...!
  و خلصنا إذن إلى أن النبوة اصطفاء إلهي و لا شيء مع هذا أبداً...
وأنها لا تكون إلا فيمن يستحقها فعلاً...
وأن هدفها هو رد البشر إلى مسار العقيدة الصحيحة و حفظ أرواحهم و أعراضهم و ممتلكاتهم بل وتنميتها...
وأنها رغم المصاعب و الابتلاءات حتماً تنتصر نصراً دنيوياً لأن هذا هو المطلوب لتحقيق الرسالة ...
و لا زال لنا مع قصة يوسف خواطر تترى...

تابعونا...

0 comments: