Friday, June 19, 2015

رمضان مع يوسف 3 (يوسف والأحلام التي تتحقق....!)



رأينا في قصة يوسف أربعة أحلام أو رؤى منامية كلها تحققت كفلق الصبح رغم أن من رأوها تباينوا في أشياء كثيرة فمنهم مثلا الصبي والفتى و الرجل الكبير السن...و منهم البدوي و الحضري...و منهم الحر و السجين....و منهم الرعية و الملك...و منهم من صار نبياً و منهم من مات كافراً....
و لكن الرؤى الأربع كانت صادقة و تحقق ما ورد فيها بمنتهى الدقة...
و إن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن الرؤيا المنامية أمر هام يستحق الانتباه و ليس مجرد حادث عابر لا معنى له...
و يكفيك أن تعرف أن الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة كما ورد في الحديث الشريف و أنها في حق الأنبياء كالوحي تماماً...
و لذا كاد الخليل إبراهيم (ص) أن يذبح ابنه بناء على رؤيا رآها في منامه...
الرؤيا قد تكون صريحة في نصها لا تحتاج لتأويل و قد تكون رمزية مليئة بالشفرات التي تحتاج علم خاص يسبر غورها و يكشف مضمونها...
و المشاهد فعلاً أن الناس من كل فئات البشر يرون رؤى كثيرة و أن بعضها فعلاً يتحقق و أن الناس ربما يتذكرون الرؤية بعد تحققها في الواقع فيربطون هذه بتلك و أن الناس لا يقصون رؤياهم الهامة أو التي يشعرون أن رمزيتها قد تحمل معاني خطيرة تخصهم أو من يهمهم أمره لا يقصونها إلا على من يثقون في خلقه و علمه و أن بعض هؤلاء المفسرين قد يكون فعلاً عالماً و على خلق و أن بعضهم قد يكون دجالاً أو مشعوذاً أو مدعياً (المشيخة)...!
الحلم الأول في القصة كان ليوسف (ص) رآه و هو غلام صغير يعيش في البادية بين عشيرته...و كانت رمزيته شبه واضحة من حيث العدد و من حيث تصنيف ما يراه الطفل ابن البادية في السماء ليلاً...العدد كان لأخوته و التصنيف شمساً و قمراً و كواكباً كان متوافقاً مع أبيه و أمه و إخوته الغير أشقاء...
و المفسر كان الشخص الأول موضع ثقة يوسف في سنه تلك و هو أبوه يعقوب (ص) و بالطبع فهم يعقوب النبي البشارة من الرؤيا و علم أنها أول إطلالات النبوة على يوسف و أدرك أيضاً سهولة إدراك غيره من إخوة يوسف لمعنى الرؤية و لذا حذره من روايتها لهم  لما يعلمه من غيرتهم منه...و كان آخر مشاهد القصة هو مشهد تحققت فيه الرؤيا كما جاءت بالحلم تماماً...


EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430) 
الحلمين التاليين في القصة كانا لشابين موظفين بالبلاط الملكي في مصر في ذلك الوقت...ساقي الملك و خبازه...و كلاهما كانا متهمين بخيانة الملك ومحاولة قتله بدس السم له...و لذا دخلا السجن مع يوسف...
الساقي رأى نفسه في المنام يجهز الخمر كما اعتاد في عمله...والخباز رأي نفسه و الطير تأكل من رأسه...
و الرؤيا هنا تكاد تكون صريحة  بدون شفرة ...و رغم هذا فإن رؤيا الساقي التي يمارس فيها عمله المعتاد بالنسبة له تحمل غموضاً كبيراً بل هي بلا دلالة خاصة...و رؤيا الخباز التي تأكل الطير فيها من رأسه تحمل قلقاً شديداً يحتاج معه أن يستوثق منه...
يوسف كان محل ثقة زميليه في السجن على الرغم من أن تهمته كانت في قضية تمس الشرف و هنا يصح المثل الشعبي أمام صاحبيه في السجن (ياما في الحبس مظاليم)...و سر الثقة في يوسف كانت معايشته و رؤية أحواله بالعين و عن قرب و لفترة معقولة من الوقت...
و لذا قبلا أن يستفتياه في رؤياهما و كانت فتواه واضحة...الساقي سيبرأ و يعود لممارسة عمله...و الخباز سيدان و يعدم و تعلق جثته حتى تنهش رأسه الطير تنكيلاً به...مؤكد أن من بشره يوسف فرح و شكره و من أنذره يوسف حزن و أنكر التأويل و الإدانة و العقاب...و لذا اختتم يوسف فتواه بأن الأمر نهائي لا استئناف فيه...!
و صدقت فتوى يوسف و كان الواقع مصدقاُ لها...و للحلم الذي تحقق...!
الحلم الرابع في القصة هو حلم ملك البلاد نفسه...!
حلم يختلف عن الأحلام السابقة في ارتفاع مستوى الشفرة فيه...و إن كان مرتبطاً بالبيئة المصرية التي يعيش فيها الملك...
المشهد كان لسبع بقرات سمان و رغم هذا تهاجمهن سبع أنحل منهن و يأكلهن...! و إلى جوار هذا سبع سنبلات قمح خضر و سبع أخر يابسة...!
الرقم سبعة من الأرقام التي لها سر خاص في كل الثقافات تقريباً...و استخدام كثير في مجالات مختلفة...و لذا فإن مدلوله في الرؤيا لم يكن سهل الاستجلاء...
و بالطبع العلاقة المقلوبة في صراع البقرات السمان مع العجاف كانت لغزاً محيراً فعلاً...و مدلول السنبلات الخضر و اليابسات كان غامضاً رغم أن سنابل القمح ترمز عادة للخير و الرخاء إلا أن وجود الخضر إلى جوار اليابسات جعل المعنى ملتبساً...
الملك لجأ إلى الأعيان (الملأ) الذين يرجى فيهم العلم و الحكمة فهؤلاء هم محل ثقته الأول بطبيعة الحال لكن خاب رجاءه فيهم فلا هم أفتوه و لا دلوه على من يفتيه...بالطبع ساقي الملك كان حاضراً بحكم وظيفته في خلفية هذا الحدث و تذكر من فسر له الحلم الذي أنقذ حياته....يوسف...فأعلم الملك بأمره...و طلب أن يرسلوه إليه ليستفتيه...
و كانت فتوى يوسف هذه المرة أبعد من مجرد فك للشفرة أو لرمزية الرؤيا...كقوله مثلاً إن كل بقرة ترمز لسنة...فإن كانت السنة رخاءاً كانت البقرة سمينة و العكس بالعكس...و أن العلاقة بين سنوات الرخاء و سنوات الجفاف هي الإدخار أو بناء (المخزون الاستراتيجي) ...لا...إنما زاد يوسف و فصل و أعطى توجيهات استراتيجية و رسم سياسة الدولة...
فقال إن سنوات الرخاء السبع الأولى لا يجب التراخي فيها بل بالعكس يجب العمل الدؤوب في الزراعة حتى يتحقق أعلى محصول يمكن منه تحقيق الإدخار المطلوب بعد تغطية الاحتياجات...
كما أمر يوسف بالتقشف خلال سنوات الرخاء الأولى حتى يسهل هذا من زيادة ما يتم ادخاره للسنوات العجاف التالية...كما بين يوسف الأسلوب الأمثل لتخزين الغلال حتى يمكن الحفاظ على سلامتها لأطول مدة ممكنة...
كما بين يوسف أن المتوقع بعد التقلب من سبع سنين رخاء إلى سبع سنين عجاف هو أن تتكرر الدورة فيكون أول عام بعد السبع العجاف هو عام رخاء....و كل هذا زيادة عن مجرد تأويل للرؤيا...
و كان هذا كافياً للفت نظر الملك و طلب استدعاء يوسف هذا العالم و السياسي و المخطط الملقى في السجن لسبب مجهول فعلى أي حال مكان من هم مثل يوسف ليس السجون أبداً...!
و تتابعت أحداث القصة لتثبت ليس فقط أهمية الرؤيا في إنقاذ أمة من الناس و دولة عظمى في زمانها بل و صدق التأويل بل و حسن التدبير و جدارة يوسف بالسلطة التي نفذ فيها ما عرضه من حلول للأزمة...
الأحلام مهمة...بصرف النظر عمن يراها...و بعضها يتحقق فعلاً و يؤثر في مستقبل فرد أو أمة أو دولة...و ليس كل الناس خليقاً بتأويلها أو النصح بشأنها...
الأحلام...ممكن فعلاً أن تتحقق...!  

0 comments: