رمضان مع
يوسف 12 (يوسف و الإحسان):
الحديث النبوي الشريف علمنا
أن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك....
العبادة هي طاعة عبد للسيد
في أوامره و نواهيه...
و ليست الطاعة كلها سواء....فالطاعة
درجات و ألوان...
هناك طاعة المكره الذي
لا بديل أمامه إلاها...و هي مرتبطة بقدرة السيد على العبد...
و هناك طاعة المحب الذي
يخضع مختاراً تماماً لسيد لا يمارس عليه أي قهر...
و هناك طاعة أرقى منهما
...طاعة تجمعهما...
طاعة الذي لا يرى أمام
ناظريه دائماً إلا سيده المحبوب فلا يشغله عن طاعته ما سواه...و في نفس الوقت يوقن
أن سيده هذا قادر عليه أيما قدرة و لا يغفل عنه أبداً فلا يجرؤ أن يخالف له أمراً....
فإذا كان السيد هو الله
تعالى و العبد هو ابن آدم فما ينتظر من أوامر ونواهي الله سبحانه إلا كريمالأخلاق و
صالح الأعمال ...؟!
(إن الله يأمر بالعدل و
الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي)
وما ينتظر من الإحسان في
عبادة الله تعالى إلا التمسك بهذه الأوامر في كل حال يمر به العبد...؟ّ!
و هل يأمر الخالق عبده
بأمر فيطيعه فيه لدرجة الإحسان إلا و يجازيه بهذا الجزاء الأوفى...؟!
إذن تعالوا نرى يوسف و
إحسانه في العبادة و جزاء الله له على ذلك في الدنيا قبل الآخرة...
يوسف جاء وصفه في القصة
بالإحسان في خمسة مواضع...
الموضع الأول في بيت عزيز
مصر الذي نشأ فيه يوسف مكرماً و أتته به بشائر النبوة فجمع بين الحكم و العلم...
و القرآن الكريم يذكر لنا
أن هذا الجمع بين الحكم و العلم جاء جزاءاً لاتصاف يوسف بالإحسان...و كأن يوسف عاش
في بيت العزيز منذ أن دخله غلاماً رقيقاً و لمدة سنين طويلة قبل بعثته بالخلق الكريم
و العمل الصالح الذي استحق عليه هذه المكافأة الألهية ....
الموضع الثاني كان في السجن
و هو ظرف مختلف تماماً عن ظرف حياة يوسف السابقة في بيت العزيز... و الذي نعت يوسف
بالإحسان كانا هما الفتيان السجينان...و مؤكد أن الفتيين لم يصفا يوسف بهذا الوصف إلا
لما رايا منه ما يدل عليه...وكأن يوسف استمر على كريم خلقه و صالح عمله رغم انتقاله
من القصر على السجن...و هذا يدل على أنها صفات أصيلة في تركيبته التي خلقه الله عليها
و ليست نتيجة تربية بشرية و لا إدعاء كاذب يتملق به يوسف من حوله في قصر العزيز...
الموضع الثالث كان في قصر
الملك حين تأكد الملك من كريم خلق يوسف و صالح عمله و كفاءته فكلفه بمنصب وزير الخزانة
و بصلاحيات كبيرة تؤهله لتطبيق خطته لحماية البلاد من سنين الجفاف المتوقعة...وذكر
القرآن الكريم أن هذا دليل على أن رحمة الله تعالى لا يقدر مخلوق على منعها عن غيره...و
أن الثواب جاهز باستمرار لكل من حسن خلقه و صلح عمله...
الموضع الرابع كان في مكان
توزيع الميرة على الناس ساعة أن احتال يوسف ليأخذ أخاه الشقيق في معيته بمصر بعد أن
احتال لإثبات السرقة عليه فكان الرجاء من إخوته أن يستبدله بأحدهم مراعاة لمشاعر أبيهم
وصرحوا بأنهم يتوقعون من يوسف الاستجابة لهذا العذر لأنهم رأوه من المحسنين...
كأنهم يقولون له إننا تعاملنا
معك غير مرة فاقتنعنا بكريم خلقك و صالح عملك إذ أكرمت نزلنا و وفيت لنا الكيل و لم
تصادر بضاعتنا و احترمت قانوننا و عدلت في تحقيقك لما اتهمتنا بالسرقة....إذن أنت من
المحسنين...و بالتالي فإننا نتوقع منك خلقاً كريماً آخر هو مراعاة مشاعر الأب الشيخ
الكبير الذي سيحزن على فقد ولده الأقرب لقلبه...
الموضع الخامس كان في نفس
مكان توزيع الميرة حين دخل إخوة يوسف عليه منكسرين بالحاجة للميرة و بعدم القدرة على
مقايضتها ببضاعة لا ترد وبثبوت السرقة سابقاً في حق واحد منهم...فتلطفوا قهراً ليوسف
في الحديث إلى حد أن طلبوا منه الصدقة...
وهنا أحس يوسف أن الفرصة
مواتية كي يثوب إخوته لرشدهم و يعترفوا بذنبهم و يتوبوا إلى الله منه فأعلمهم بحقيقة
الأمر وكشف لهم عن شخصيته الحقيقية و بين لهم فضل الله عليه الذي أصابه رغم مكرهم به
ليكون هذا أوقع في نفوسهم الكسيرة بين يديه...
وبين لنا القرآن أن هذا
الموقف المنتصر...موقف العزة ليوسف أمام من اضطهدوه وآذوه هو جزاء على الصبر و الاستمرار
على الخلق الكريم و العمل الصالح ...استمراره في التقوى...استمراره في الطاعة...
إذن فيوسف كان عبداً مخلصاً
لله تعالى كريماً في خلقه صالحاً في عمله متقياً لله و صابراً على هذا النمط في كل
ظرف مر به من ظروف الحياة التي تقاذفته ما بين البدو و الحضر و القصر و السجن و الرق
و الحكم و الاضطهاد و التمكين...
يوسف كان تقياً في كل حال...
يوسف كان من المحسنين...
و لا زال لنا خواطر مع
قصة يوسف...
تابعونا...
0 comments:
Post a Comment