رمضان مع يوسف 11
(يوسف و الشيطان)...
بداية إبليس (لعنه
الله) كانت طيبة جداً فهو كان من الجن الطائع المتعبد حتى صار أقرب إلى الملائكية
...لكنه لم يثبت للفتنة...
و لم يثب إلى جادة
الصواب بعد إذ ضل عنها...بل عاند و أصر على معصيته و دافع عنها...بل قرر أن يكون
المحفز عن أي معصية و عن كل معصية...!
الجن خلق مخير بين
الطاعة والمعصية...مثلهم في هذا مثل بني آدم...
و ما أسهل أن يعيش
الخالق في جنة بلا تعب و لا نصب و بلا اختبار أو امتحان فتكون الطاعة شبه آلية و
العبادة مجرد جزء من روتين الحياة ....هكذا مر القسم الأول من حياة إبليس...
و ما أصعب أن يمر
الخلق باختبار كاشف لما خلف الصورة الظاهرة من خفايا النفس و حقيقة الذات...و هنا
يسقط من يسقط و يرتقي من يرتقي...و هنا سقط إبليس...
كان الاختبار في طاعة مخلوق
جديد...هو الإنسان...آدم أبو البشر...
ويبدو أن خلق الإنسان من
طين كان أمراَ غير مستساغ حتى للملائكة إذ توقعوا منه و من ذريته الفساد في الأرض و
إهلاك الحرث و النسل...
و يبدو أن هذا أغرى إبليس
بأن ينبري هو الآخر في الموقف نفسه لكن من زاوية أخرى...زاوية الكفر بالله تعالى....
إذ نسب إلى الله عدم الحكمة...فرفض السجود لآدم مبرراً سلوكه هذا بأن المسألة لا تصح
ابتداءا ذلك أنه أفضل من آدم كونه خلق من نار و آدم خلق من طين...!
كانت وجهة نظر الملائكة
الذين كان يبدو إبليس و كأنه أحدهم لفرط طاعته هي أن آدم معرض بحكم تكوينه لأن يصدر
عنه معاصي...معاصي خطيرة...فلما أطلعهم الله على ما زود به آدم من علم...تراجعوا عن
وجهة نظرهم و أقروا بأن علم الله أهم مما يتوقعون...ولما تم خلق آدم وأمروا بالسجود
له امتثلوا...
وهنا شذ إبليس عن الصف
الملائكي و أبى السجود لآدم و استكبر و ادعى منطقاً للمعصية بدل أن يطلب التوبة عنها
ثم عاند و أصر عليها حتى أنه تعهد بنشرها إلى يوم الدين و بدل أن يطلب التوبة طلب الخلود
في الدنيا...! فخلع الله عنه لباس ارحمة و أصبح ملعوناً...
أصبح إبليس فتنة لآدم و
بنيه في حكمة ربانية قضت أن يفتن الخلق بعضهم بعضاً حتى يميز الخبيث من الطيب بناء
على تجربة عملية مشهودة من الكل...
إبليس سار في طريقه و كل
هدفه أن يؤذي آدم و بني آدم....و أي إيذاء أشد من الوقوع في المعاصي التي تؤدي للوقوع
في النار...؟!
و ظهر إبليس في قصة يوسف...
ظهر مرتين بمنتهى الوضوح...
المرة الأولى عندما استطاع
أن يستغل غيرة إخوة يوسف منه فدخل إليهم من هذا الباب وهل يدخل إبليس لبني آدم إلا
من نقاط ضعفهم حباً أو كرهاً...؟!
جالس إبليس إخوة يوسف و
كعادته يظهر بصورة الناصح الأمين الذي يقدم المعصية كحل لمشكلة أو كسلم إلى نيل الأطماع...!
إذا كان يوسف هو الحجاب
الذي يحول بينكم وبين حب و اهتمام أبيكم فلم لا ترفعوه ؟ لماذا لا تتخلصون منه ؟ صحيح
أن القتل كبيرة خطيرة لكن مرة واحدة لا تضر...افعلوها ثم توبوا وكونوا صالحين...!
و لحسن حظ إخوة يوسف أنهم
رفضوا فكرة القتل لكنهم قبلوا مبدأ التخلص من يوسف باسلوب أخف هو إلقاءه في الجب...
و نجح إبليس في النزغ بين
يوسف و إخوته لدرجة أسقطتهم في معصية الكذب على الأب يعقوب و إيذاء الأخ يوسف إيذاءا
أوقعه في الرق و عرضه للخطر سنين طويلة...
المرة الثانية التي أطل
فيها إبليس برأسه اللعين في قصة يوسف كانت في السجن...
لما أول يوسف الرؤيا لصاحبيه
في السجن و علم أن ساقي الملك سيخرج مبرأ و يعود لممارسة عمله مرة أخرى بالقرب من الملك
رأى يوسف في الأمر فرصة
طيبة لرفع مظلمته إلى ولي الأمر عساه يعدل معه ويخرجه من السجن ظلماً...فطلب من الساقي
أن يرفع أمره بين يدي الملك...
و بالفعل كانت الفرصة طيبة
...لكن هل لإبليس أن يتركها ليوسف فينجو بها من المكائد المتتالية التي أضرت به بداية
من إخوته إلى امرأة العزيز إلى السجن...؟!
بالطبع لا...
وتدخل إبليس عند الساقي
فشغل عقله عن تذكر قصة يوسف كلما كان بين يدي الملك...و ضاعت الفرصة أوتأخرت إلى حين
بلغ بضع سنين...! حتى أذن الله أن يتذكر الساقي يوسف في الوقت المناسب و كان ما كان...
و الشاهد هنا أن عداوة
إبليس لآدم و بنيه أمر مستمر منذ بدء الخلق و إلى يوم القيامة...
وأنه حتى الأنبياء يتعرضون
لكيد إبليس...
و أن أحد أهم مداخل إبليس
على عقل ابن آدم هو باب الهوى أو العاطفة...عاطفة الحب الشديد أو الكره الشديد...
و أن إبليس قادر على العبث
بذاكرة عقل ابن آدم بطريقة أو بأخرى...
و أن إبليس دائماً يقدم
المعصية حلاً أو أملاً...
وأن إبليس حريص على إضاعة
فرص الخير لابن آدم أوعلى الأقل تأخيرها...
و الشاهد هنا أيضاً من
قصة يوسف...
أن إبليس يفشل حتى لو تصور
أنه أفلح...!
و يزداد حسرة و خيبة حين
يرى أن مكره كان خادماً لابن آدم الذي كتب الله له الخير و غلب أمره كل أمر سواه...
و الشاهد هنا أيضاً من
قصة يوسف...
أن علينا أن نفيد من الدرس
لأنه دائم التكرار...
و الله أعلم...
ولازلنا مع خواطرنا حول
قصة يوسف...
تابعونا...
0 comments:
Post a Comment