رمضان مع يوسف 7
(يوسف و نظام
الحكم)...
رأينا في قصة يوسف
ملامح كثيرة من نظام حكم مصر في ذلك الزمان...
المفسرون لاحظوا أن
يعقوب و بنيه هم من سلالة إبراهيم (ص) يعني عبرانيين وعاشوا في منطقة الشام قريباً
من مصر يعني في فلسطين و عاشوا في البادية كما نصت السورة صراحة على ذلك (و جاء
بكم من البدو) قبل أن ينتقلوا للعيش في الحضر مع يوسف في مصر...
المفسرون لاحظوا أيضاً
أن القرآن الكريم تحدث باستمرار عن حاكم مصر بلفظ (الفرعون) عدا في قصة يوسف فتحدث
عنه بلفظ (الملك)...و استنتجوا من هذا أن قصة يوسف وقعت في زمان لم يكن فيه حكم
مصر للمصريين بل لأجانب محتلين و لذا تلقبوا بغير الألقاب المصرية في ذلك
الزمان...ولعلنا لاحظنا أيضاً في ألفاظ القصة أن القرآن الكريم وصف من اشترى يوسف
بأنه (من مصر) و لم يقل (مصري)...
و أقرب النماذج التي
مرت بها مصر توافقاً مع زمان قصة يوسف هو نموذج (الهكسوس) الذين وصفهم التاريخ
بأنهم قبائل بدوية من رعاة الغنم جاءت من نفس المنطقة الموصوفة في القصة (فلسطين)
و احتلوا فعلاً شمال مصر بينما فر المصريون إلى الجنوب (الصعيد) و استمر حكمهم لشمال
مصر حوالي مائة و خمسين عام انتهت بطردهم منها على يد (أحمس) البطل المصري
التاريخي المعروف...
و لعلنا نستنتج توافقاً
مع هذا أيضاً أن كراهية المصريين الفراعنة لبني إسرائيل جاءت كونهم (أي بني
إسرائيل) دخلوا مصر في ظل زمان الاحتلال الأجنبي لها بل و خدموا ملوك الهكسوس
المستعمرين (كما خدم يوسف وزيراً للملك في القصة)...و تمثلت هذه الكراهية فيما
أورده القرآن أيضاً من سوء معاملة و تسخير و قتل و غيرها...و استمرت هذه الكراهية
سنين طويلة حتى وصلت لزمان موسى (ص) الذي أرسله الله تعالى ليستنقذ بني إسرائيل
بالخروج من مصر و العودة مرة أخرى إلى فلسطين حيث جاءوا ...ولعلنا نستنتج أيضاً أن
المصريين الفراعنة لم يبيدوا بني إسرائيل أو يطردوهم مع الهكسوس بل احتفظوا بهم في
مصر ربما لفوائد حصلوها من استبقائهم كمثل وجود العلماء بينهم أو أصحاب رؤوس المال
أو غيرهم و لعل (قارون) نموذج شهير لهذا...
الشواهد التاريخية
التي خلفها لنا المصريون الفراعنة عن الهكسوس تصفهم بأنهم (البدو الرعاة) الذين
اكتسحوا حدود البلاد و هزموا دفاعات مصر بسبب امتلاكهم لسلاح حربي جديد وقتها هو
(العجلة الحربية) و هو أثر تاريخي لا زال محتفظاً به إلى اليوم...
و وصف المصريون الفراعنة
هؤلاء الهكسوس بأنهم شعوب همجية غير متحضرة...و هو وصف قريب لما لمسناه في قصة
يوسف عن مجتمع ماجن مليء بسيء الأخلاق التي لم يسلم منها حتى قصر ملكهم نفسه و
خاصة حاشيته...!
إذن نظام الحكم في
زمان قصة يوسف هو نظام حكم محتل لمصر (أو جزء كبير منها) له بنية و إدارة مختلفة
عن النظام المصري الفرعوني المعروف تاريخياً...
النظام ملكي وراثي كما
هو واضح من تسمية رأس الدولة بالملك...
النظام يدير مجتمع
طبقي أساسه فكرة (السادة و العبيد)...
الملك هو سيد ما دونه من البشر و لذا يعدونه رباً أو إلها فبحسب
القصة ترادف استخدام لفظ (الملك) مع لفظ (الرب) كثيراً...
وما دون الملك هو إما
سيد أو عبد لأن الاسترقاق و تجارة الرقيق الصريحة أمر مشروع بل وعقوبة جنائية
مقبولة أحياناً...!
و الرجل سيد على
المرأة (حتى لو زوجته الحرة)... (و ألفيا سيدها لدى الباب)...
و السادة طبقات منهم
الملأ (يا أيها الملأ أفتوني) أو كبار رجال الدولة كالعزيز و الوزراء و رجال
الحاشية....و منهم ما دون ذلك...
دين الدولة الرسمي هو
الوثنية و الشرك بالله تعالى فضلاً عن تأليه الحاكم بسبب الحكم...
و ككل الوثنيات يكون
في ظاهرها التسامح الديني لأنها تقبل أساساً بفكرة تعدد الآلهة (الشرك) ...!
و من هذا المنطلق ربما
سمحت الوثنية حتى للموحدين بالبقاء دون اضطهاد ما لم يصطدموا صراحة بها و يطالبوا
بإلغائها...!
الدولة المصرية و إن
خضعت للاحتلال إلا أن لها حدود معروفة و مميزة عما حولها و يتحكم فيها أبواب محددة
أو منافذ رسمية (ادخلوا مصر)...
الدولة لها منظومة
لتحقيق العدالة أومحاولة ذلك (تعرضنا لها سابقاً)...
اقتصاد الدولة المصرية
أساسه الزراعة التي تعتمد على مياه النيل التي تتقلب بين مواسم الفيضان و
الجفاف...و فكرة تخزين المحاصيل كانت أسبق من فكرة التحكم في النيل لمواجهة أزمات تقلباته...
الدولة تعرف العملات
كالدرهم (بثمن بخس دراهم معدودات)...و تعرف نظام مقايضة البضائع (بضاعة مزجاة)...
الدولة تعتمد نظام (بدائي)
للموازين (حمل بعير)...
الدولة بها منظومة
مواصلات تشمل وسائل انتقال (العير) و طرق مخصصة للسفر بين البلاد و مجهزة بآبار
للماء (الجب – السيارة)...
الدولة شحيحة جداً في العلم
التجريبي و في التفكير الحر بدليل ذيوع التقدير الشديد للأحلام أو الرؤى المنامية و
لتأويلها و تقبل الناس للوثنية و للعبودية ...
الدولة بها تقدير كبير
عام لشهوة البطن (الطعام) فانظر لما أعدته امرأة العزيز للنسوة في المدينة و انظر
ليوسف و هو يتنبأ لصاحبي السجن بالطعام و انظر لرؤيا الملك من البقر و السنابل و
انظر لتعيين خباز للملك ....
الدولة بها تقدير كبير
لشهوة الفرج و للتناسل انظر لامراة العزيز و النسوة في المدينة و بحث العزيز عن التبني...
الدولة بها تقدير كبير
للخمور و انظر لتعيين ساقي خمر خاص بالملك و انظر لأهمية و تميز الكأس الذي يشرب
فيه الملك الخمر....
و معلوم أن تضييق
الفكر و تغييب العقل بالخمور مع الإغراق في الشهوات كلها من مظاهر الدول
المتخلفة...!
و الخلاصة أننا في قصة
يوسف رأينا ملامح للدولة المصرية تحت حكم الملك (من الهكسوس)...
و ظهر لنا فعلاً كانت دولة
متخلفة و إن كانت نسبياً أفضل ما حولها في
زمانها...
ولا زالت الخواطر حول قصة يوسف تترى....
تابعونا...
0 comments:
Post a Comment