Saturday, June 27, 2015

رمضان مع يوسف 9 (يوسف والصبر)...

رمضان مع يوسف 9 (يوسف والصبر)...

أحد أهم أهداف و مرامي القصص عموماً و القصص القرآني خصوصاً هو المواساة و التأسي بالعبرة من أحداث القصة و أبطالها...
و رأينا في قصة يوسف مواقف كثيرة من هذا النوع...
راينا الصبر و هو كما علمنا الرسول محمد (ص) نصف الإيمان...
و علمنا رسول الله (ص) أن رمضان هوشهر الصبر...
والصبر ببساطة هو الامتناع عن رد الفعل...
يعني قدرة النفس على مخالفة قانون هام جداً من قوانين الطبيعة مفاده أن (لكل فعل رد فعل) ...قانون صحيح في الماديات و صحيح أيضاً في المعنويات...ولذا كانت القدرة على مخالفته بالصبر أمراً مجهداً للنفس يستلزم يقيناً بأن ترك الحبل على الغارب لهذا القانون أمر لا تحمد عقباه و أن مخالفة هذا القانون أمر محمود...
و لما كانت أفعال الحياة كثيرة كانت ردود الأفعال لها أيضاً كثيرة وكان الصبر الذي هو مقاومة و منع هذه الردود أيضاً أنواعاً كثيرة...
فأول الصبر هو الامتناع عن آلية رد الفعل بشكل عام...بحيث أن الإنسان يضع اختياره الخاص فوق ما جبل عليه الناس جميعاً...
ثم ينحو الصبر مناحي مختلفة بعد ذلك...
فقد يصبر الإنسان على ما يحب...و قد يصبر على ما يكره...
رأينا يعقوب صابراً...
صابراً على ابتلاءه بالشقاق بين أبناءه...فأحد عشر أخاً يتحركون طوال القصة كأنهم شخص واحد لكن للأسف شخص واحد ضد أخويه الغير شقيقين...
كان باستطاعة يعقوب و كرد فعل لإيذاء إخوة يوسف له و لشقيقه أن يعاقبهم لكنه آثر الصبر...
ثم لما تكرر الأمر و فقد يعقوب ابنه شقيق يوسف لما سمح له بالخروج معهم تكرر من يعقوب الصبر (فصبر جميل)...
ثم لما فقد يعقوب بصره و أصبح رهين أبناءه الذين لا يأتمنهم على إخوتهم الغير أشقاء و الذين يظنون به ظناً سيئاً كان باستطاعته أن يدعو الله بعاجل الشفاء أو بعقاب الأبناء كما نرى كثيراً من الناس يفعلون....لكنه آثر الصبر...
EG-[A_BA[ALLC_ALLS_ALLB]:Ramadan (614x430)

و رأينا يوسف صابراً...
صابراً على إيذاء إخوته له وهو صغير...كان باستطاعته مثلاً أن يرد لهم الكيد بإن يثير حفيظة الأب ضدهم و يحرضه على عقابهم...لكنه آثر الصبر...
و لما ألقوه في الجب كان باستطاعته أن يصخب و يسب و يلعن مثلاً...لكنه آثر الصبر...
و لما عرضت امرأة العزيز نفسها عليه كان باستطاعته أن يهتبل الفرصة ويرضي شهوته بل ربما اتخذ من علاقة محرمة كهذه سبيلاً للترقي في خدمة العزيز كما نشاهد في زماننا ونسمع...لكنه آثر الصبر...
و لما استمرت امرأة العزيز في غوايتها و أيدها النسوة في المدينة و رأينا موقف العزيز المتخاذل كان باستطاعة يوسف أن يهتبل الفرصة مرة أخرى و لو من باب إنقاذ نفسه من السجن...لكنه آثر السجن ....لكنه آثر الصبر...
و لما دخل يوسف السجن كان باستطاعته أن يتعلم من السجناء ما فيهم من شر و ما مارسوه من مكر و كيد كما نسمع في زماننا هذا عن أحوال السجون ونزلائها بدل أن يكون قدوة أخلاقية لهم و داعية للتوحيد بينهم...لكنه آثر الصبر...
و لما عهد يوسف لصاحبه السجين الناجي و الذي عاد لعمله ساقياً للملك بأن يرفع مظلمته عند الملك و نسي الساقي هذا ثم عاد ليوسف بعد بضع سنين سائلاً عن تأويل رؤيا الملك كان باستطاعة يوسف أن يلمه على هذا النسيان أو أن يطلب مقابلاً لهذا التأويل أو حتى أن يعيد تذكير الساقي برفع المظلمة إلى الملك....لكنه فسر الرؤيا و زاد عليها علاج ما ورد بالتفسير من أزمات و لم يفعل شيئاً آخر...مرة أخرى يؤثر يوسف الصبر...
و لما مثلت امرأة العزيز و النسوة في المدينة بين يدي الملك و اعترفن بكيدهن الذي أضر بيوسف لم يطلب يوسف لهن عقاباً و لا انتقم منهن و لو بكلمات يستحقونها و لم يطلب لنفسه تعويضاً عما أصابه ...يوسف آثر الصبر...
و لما ولي يوسف منصباً كبيراً في الدولة و جاءه إخوته الذين آذوه سابقاً محتاجين كان باستطاعته أن يعرفهم بنفسه أول الأمر و أن ينزل بهم ما شاء من عقاب أو انتقام أو أن يمنع عنهم الميرة أوأن يصادر بضاعتهم التي جاءوا بها إلى مصر و أن يجبرهم على إحضار أخيه الشقيق له إجباراً قاهراً دون الحاجة لحيلة و لا كيد...لكنه آثر الصبر...
و لما احتال يوسف كي يستبقي شقيقه معه في مصر مدعياً في حقه السرقة و قال إخوته إن شقيقه شابهه في السرقة استناداً لقصة قديمة ادعت فيها عمته أنه سرقها لتستبقيه معها حباً فيه كان باستطاعة يوسف أن يرد إخوته لأصل القصة الحقيقية التي من المؤكد أنها تكشفت لهم و أنهم يعرفونها و كان باستطاعته أن يعاقبهم بعقاب آخر بحكم سلطانه ....لكنه آثر الصبر...
و لما انكسرت شوكة إخوته بين يديه و أقروا بأخطائهم في حقه كان باستطاعته أن يوبخهم و يعنفهم أو حتى يؤجل قبوله لاعتذارهم أو يعلق هذا القبول على شروط يراها ضامنة لتأديبهم...لكنه آثر الصبر...
و لما مثل الجميع بين يديه و سجدوا له تصديقاً لرؤياه و هو غلام كان باستطاعة يوسف أن يستعرض فضل الله عليه بطريقة يذكر فيها إخوته بإساءتهم له بدل أن يتحدث عن نزغ الشيطان...لكنه آثر الصبر...
رأينا في قصة يوسف صبراً من النوع (الجميل)...
صبر بلا تاريخ صلاحية...
صبر بلا يأس من النهاية...
صبر بلا تذمر...
صبر بلا منة...
صبر بلا انتظار للثمن...
صبر بلا ضغائن و لا انتقام...
صبر يصاحبه استمرار في العمل الصالح و القول الصالح...
صبر مع الأخذ بأسباب الفرج و البحث عن المخرج من الضيق...
صبر  فعلاً جميل...
رأينا في قصة يوسف نماذج مشرقة  للصبر سواء على ما يحبه البشرمن شهوة و سلطة و غنى...أوعلى ما يكرهه البشر من علة و حاجة و فقر و إيذاء...
و لعلنا أيضاً نكون قد رأينا في القصة عاقبة الصبر الجميل...
رأينا يعقوب و قد انتهت القصة بالتآلف من جديد بين بنيه...و بانتقالهم من البدو للحضر...و بأن يكون أحد أبناءه نبياً ...و بأن يكون أحد أبناءه أهم وزير لأكبر دولة في زمانه...و بأن يرد إليه بصره بعد العمى...
رأينا يوسف و قد انتهت مواقف القصة بالخلاص من إيذاء إخوته ثم من مراودة امرأة العزيز والنسوة في المدينة و بصلاح العلاقة بينه و بين إخوته و بتأديبهم واعتذارهم له...و ببراءة ساحته من كل تهمة كاذبة ....و بخروجه من السجن و بالتقدير اللائق لأخلاقه و لعلمه  ....و بالتمكين له في أهم منصب بأهم دولة في زمانه...و بجمع شمله بشقيقه و أمه و أبيه و إخوته وأهلهم جميعاً...
و لا زال لنا مع قصة يوسف خواطر أخرى...

تابعونا...

0 comments: